(وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً) أي ذنبا صغيرا (وَهُوَ عِنْدَ اللهِ) من الكبائر وعلق مس العذاب بثلاثة آثام تلقي الإفك والتكلم به واستصغاره ثم أخذ يوبخهم على التكلم به ، وكان الواجب عليهم إذ سمعوه أن لا يفوهوا به.
وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف جاز الفصل بين (لَوْ لا) و (قُلْتُمْ)؟ قلت : للظروف شأن وهو تنزلها من الأشياء منزلة نفسها لوقوعها فيها ، وأنها لا تنفك عنها فلذلك يتسع فيها ما لا يتسع في غيرها انتهى. وما ذكره من أدوات التحضيض يوهم أن ذلك مختص بالظرف وليس كذلك ، بل يجوز تقديم المفعول به على الفعل فتقول : لو لا زيدا ضربت وهلا عمرا قتلت.
قال الزمخشري : فإن قلت : فأي فائدة في تقديم الظرف حتى أوقع فاصلا؟ قلت : الفائدة بيان أنه كان الواجب عليهم أن ينقادوا حال ما سمعوه بالإفك عن التكلم به ، فلما كان ذكر الوقت أهم وجب التقديم.
فإن قلت : ما معنى (يَكُونُ) والكلام بدونه متلئب لو قيل ما لنا أن نتكلم بهذا قلت : معناه ما ينبغي ويصح أي ما ينبغي (لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا) ولا يصح لنا ونحوه ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق و (سُبْحانَكَ) تعجب من عظم الأمر.
فإن قلت : ما معنى التعجب في كلمة التسبيح؟ قلت : الأصل في ذلك أن تسبيح الله عند رؤية المتعجب من صنائعه ثم كثر حتى استعمل في كل متعجب منه ، أو لتنزيه الله عن أن تكون حرمة نبيه صلىاللهعليهوسلم كما قيل فيها انتهى.
(يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا) أي في أن تعودوا ، تقول : وعظت فلانا في كذا فتركه. (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) حث لهم على الاتعاظ وتهييج لأن من شأن المؤمن الاحتراز مما يشينه من القبائح. وقيل : (أَنْ تَعُودُوا) مفعول من أجله أي كراهة (أَنْ تَعُودُوا). (وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) أي الدلالات على علمه وحكمته بما ينزل عليكم من الشرائع ويعلمكم من الآداب ، ويعظكم من المواعظ الشافية. (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ). قال مجاهد وابن زيد الإشارة إلى عبد الله بن أبي ومن أشبهه. (فِي الَّذِينَ آمَنُوا) لعداوتهم لهم ، والعذاب الأليم في الدنيا الحد ، وفي الآخرة النار. والظاهر في (الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ) العموم في كل قاذف منافقا كان أو مؤمنا ، وتعليق الوعيد على محبة الشياع دليل على أن إرادة الفسق فسق والله يعلم أي البريء من المذنب وسرائر الأمور ، ووجه الحكمة في ستركم والتغليظ في الوعيد.