وإذا لم يجز ذلك في جواب الشرط إلا في الشعر ، فأحرى أن لا يجوز في جواب الأمر إلا في الشعر. وكونه جواب الأمر متنازع فيه على ما قرر في النحو ، ومثال مجيء نون التوكيد في جواب الشرط ، قول الشاعر :
نبتم نبات الخيزرانة في الثرى |
|
حديثا متى يأتك الخير ينفعا |
وقول الآخر :
مهما تشا منه فزارة يعطه |
|
ومهما تشا منه فزارة يمنعا |
قال سيبويه : وذلك قليل في الشعر ، شبهوه بالنفي حيث كان مجزوما غير واجب. انتهى. وقد تنبه أبو البقاء لشيء من هذا قال : وقيل هو جواب الأمر ، وهو ضعيف ، لأن جواب الشرط لا يؤكد بالنون في الاختيار. وأما تخريجه على البدل فلا يجوز ، لأن مدلول (لا يَحْطِمَنَّكُمْ) مخالف لمدلول (ادْخُلُوا). وأما قوله : لأنه في معنى لا تكونوا حيث أنتم فيحطمنكم ، فهذا تفسير معنى لا تفسير إعراب ، والبدل من صفة الألفاظ. نعم لو كان اللفظ القرآني لا تكونوا حيث أنتم لا يحطمنكم لتخيل فيه البدل ، لأن الأمر بدخول المساكن. نهي عن كونهم في ظاهر الأرض. وأما قوله : أنه أراد لا يحطمنكم جنود سليمان إلى آخره ، فيسوغ زيادة الأسماء ، وهو لا يجوز ، بل الظاهر إسناد الحطم إليه وإلى جنوده ، وهو على حذف مضاف ، أي خيل سليمان وجنوده ، أو نحو ذلك مما يصح تقديره. (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) : جملة حالية ، أي إن وقع حطم ، فليس ذلك بتعمد منهم ، إنما يقع وهم لا يعلمون بحطمنا ، كقوله : (فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ) (١) ، وهذا التفات حسن ، أي من عدل سليمان وأتباعه ورحمته ورفقه أن لا يحطم نملة فما فوقها إلا بأن لا يكون لهم شعور بذلك.
وما أحسن ما أتت به هذه النملة في قولها وأغربه وأفصحه وأجمعه للمعاني ، أدركت فخامة ملك سليمان ، فنادت وأمرت وأنذرت. وذكروا أنه جرى بينها وبين سليمان محاورات ، وأهدت له نبقة ، وأنشدوا أبياتا في حقارة ما يهدى إلى العظيم ، والاستعذار من ذلك ، ودعاء سليمان للنمل بالبركة ، والله أعلم بصحة ذلك أو افتعاله. والنمل حيوان قوي الحس شمام جدا ، يدخر القوت ، ويشق الحبة قطعتين لئلا تنبت ، والكزبرة بأربع ، لأنها إذا قطعت قطعتين أنبتت ، وتأكل في عامها بعض ما تجمع ، وتدخر الباقي عدة. وفي
__________________
(١) سورة الفتح : ٤٨ / ٢٥.