ويصلي ، فلم يجد الماء ، وكان الهدهد يأتيه ، وكان يرى الماء من تحت الأرض. وذكر أنه كان الجن يسلخون الأرض حتى يظهر الماء.
(لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) : أبهم العذاب الشديد ، وفي تعيينه أقوال متعارضة ، والأجود أن يجعل أمثلة. فعن ابن عباس ، ومجاهد ، وابن جريج : نتف ريشه. وقال ابن جريج : ريشه كله. وقال يزيد بن رومان : جناحه. وقال ابن وهب : نصفه ويبقى نصفه. وقيل : يزاد مع نتفه تركه للشمس. وقيل : يحبس في القفص. وقيل : يطلى بالقطران ويشمس. وقيل : ينتف ويلقى للنمل. وقيل : يجمع مع غير جنسه. وقيل : يبعد من خدمة سليمان عليهالسلام. وقيل : يفرق بينه وبين إلفه. وقيل : يلزم خدمة امرأته ، وكان هذا القول من سليمان غضبا لله ، حيث حضرت الصلاة وطلب الماء للوضوء فلم يجده ، وأباح الله له ذلك للمصلحة ، كما أباح ذبح البهائم والطيور للأكل ، وكما سخر له الطير ، فله أن يؤذّيه إذا لم يأت ما سخر له.
وقرأ الجمهور : أو ليأتيني ، بنون مشددة بعدها ياء المتكلم ، وابن كثير : بنون مشددة بعدها نون الوقاية بعد الياء ؛ وعيسى بن عمر : بنون مشددة مفتوحة بغير ياء. والسلطان المبين : الحجة والعذر ، وفيه دليل على الإغلاط على العاصين وعقابهم. وبدأ أولا بأخف العقابين ، وهو التعذيب ؛ ثم أتبعه بالأشد ، وهو إذهاب المهجة بالذبح ، وأقسم على هذين لأنهما من فعله ، وأقسم على الإتيان بالسلطان وليس من فعله. لما نظم الثلاثة في الحكم بأو ، كأنه قال : ليكونن أحد الثلاثة ، والمعنى : إن أتى بالسلطان ، لم يكن تعذيب ولا ذبح ، وإلا كان أحدهما. ولا يدل قسمه على الإتيان على ادعاء دراية ، على أنه يجوز أن يتعقب حلفه بالفعلين وحي من الله بأنه يأتيه بسلطان ، فيكون قوله : (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) عن دراية وإيقان.
وقرأ الجمهور : فمكث ، بضم الكاف ؛ وعاصم ، وأبو عمرو في رواية الجعفي ، وسهل ، وروح : بضمها. وفي قراءة أبيّ : فيمكث ، ثم قال : وفي قراءة عبد الله : فيمكث ، فقال : وكلاهما في الحقيقة تفسير لا قراءة ، لمخالفة ذلك سواد المصحف ، وما روي عنهما بالنقل الثابت. والظاهر أن الضمير في فمكث عائد على الهدهد ، أي غير زمن بعيد ، أي عن قرب. ووصف مكثه بقصر المدة ، للدلالة على إسراعه ، خوفا من سليمان ، وليعلم كيف كان الطير مسخرا له ، ولبيان ما أعطى من المعجزة الدالة على نبوته وعلى قدرة الله. وقيل : وقف مكانا غير بعيد من سليمان ، وكأنه فيما روي ، حين نزل سليمان حلق الهدهد ،