(ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ) ، بل خطابه بهذا ليس فيه ظهور شغوف بخلاف ذلك الخطاب. والظاهر أن قوله : (أَلَّا يَسْجُدُوا) إلى العظيم من كلام الهدهد. وقيل : من كلام الله تعالى لأمة رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وقال ابن عطية : القراءة بياء الغيبة تعطي أن الآية من كلام الهدهد ، وبتاء الخطاب تعطي أنها من خطاب الله عزوجل لأمة محمد صلىاللهعليهوسلم. وقال صاحب الغنيان : لما ذكر الهدهد عرش بلقيس ووصفه بالعظم ، رد الله عزوجل عليه وبين أن عرشه تعالى هو الموصوف بهذه الصفة على الحقيقة ، إذ لا يستحق عرش دونه أن يوصف بالعظمة. وقيل : إنه من تمام كلام الهدهد ، كأنه استدرك ورد العظمة من عرش بلقيس إلى عرش الله. وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف سوى الهدهد بين عرش بلقيس وعرش الله في الوصف بالعظم؟ قلت : بين الوصفين فرق ، لأن وصف عرشها بالعظم تعظيم له بالإضافة إلى عروش أبناء جنسها من الملوك ، ووصف عرش الله بالعظم تعظيم له بالنسبة إلى سائر ما خلق من السموات والأرض. انتهى. وقرأ ابن محيصن وجماعة : العظيم بالرفع ، فاحتمل أن تكون صفة للعرش ، وقطع على إضمار هو على سبيل المدح ، فتستوي قراءته وقراءة الجمهور في المعنى. واحتمل أن تكون صفة للرب ، وخص العرش بالذكر ، لأنه أعظم المخلوقات ، وما عداه في ضمنه.
ولما فرغ الهدهد من كلامه ، وأبدى عذره في غيبته ، أخر سليمان أمره إلى أن يتبين له صدقه من كذبه فقال : (سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ) في أخبارك أم كذبت. والنظر هنا : التأمل والتصفح ، وأصدقت : جملة معلق عنها سننظر ، وهي في موضع نصب على إسقاط حرف الجر ، لأن نظر ، بمعنى التأمل والتفكر ، إنما يتعدى بحرف الجر الذي هو في. وعادل بين الجملتين بأم ، ولم يكن التركيب أم كذبت ، لأن قوله : (أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ) أبلغ في نسبة الكذب إليه ، لأن كونه من الكاذبين يدل على أنه معروف بالكذب ، سابق له هذا الوصف قبل الإخبار بما أخبر به. وإذا كان قد سبق له الوصف بالكذب ، كان متهما فيما أخبر به ، بخلاف من يظن ابتداء كذبه فيما أخبر به. وفي الكلام حذف تقديره : فأمر بكتابة كتاب إليهم ، وبذهاب الهدهد رسولا إليهم بالكتاب ، فقال : (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا) : أي الحاضر المكتوب الآن. (فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ) : أي تنح عنهم إلى مكان قريب ، بحيث تسمع ما يصدر منهم وما يرجع به بعضهم إلى بعض من القول.
وفي قوله : (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ) دليل على إرسال الكتب إلى المشركين