كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ، فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ، وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ).
ثمود هي عاد الأولى ، وصالح أخوهم في النسب. للما ذكر قصة موسى وداود وسليمان ، وهم من بني إسرائيل ، ذكر قصة من هو من العرب ، يذكر بها قريشا والعرب ، وينبههم أن من تقدم من الأنبياء من العرب كان يدعو إلى إفراد الله تعالى بالعبادة ، ليعلموا أنهم في عبادة الأصنام على ضلالة ، وأن شأن الأنبياء عربهم وعجمهم هو الدعاء إلى عبادة الله ، وإن في : (أَنِ اعْبُدُوا) يجوز أن تكون مفسرة ، لأن (أَرْسَلْنا) تتضمن معنى القول ، ويجوز أن تكون مصدرية ، أي بأن اعبدوا ، فحذف حرف الجر ، فعلى الأول لا موضع لها من الإعراب ، وعلى الثاني ففي موضعها خلاف ، أهو في موضع نصب أم في موضع جر؟ والظاهر أن الضمير في (فَإِذا هُمْ) عائد على (ثَمُودَ) ، وأن قومه انقسموا فريقين : مؤمنا وكافرا ، وقد جاء ذلك مفسرا في سورة الأعراف في قوله : (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) (١). وقال الزمخشري : أريد بالفريقين : صالح وقومه قبل أن يؤمن منهم أحد. انتهى. فجعل الفريق الواحد هو صالح ، والفريق الآخر قومه ، وإذا هنا هي الفجائية ، وعطف بالفاء التي تقتضي التعقيب لا المهلة ، فكان المعنى : أنهم بادروا بالاختصام ، متعقبا دعاء صالح إياهم إلى عبادة الله. وجاء (يَخْتَصِمُونَ) على المعنى ، لأن الفريقين جمع ، فإن كان الفريقان من آمن ومن كفر ، فالجمعية حاصلة في كل فريق ، ويدل على أن فريق المؤمن جمع قوله : (إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) (٢) فقال : آمنتم ، وهو ضمير الجمع. وإن كان الفريق المؤمن هو صالح وحده ، فإنه قد انضم إلى قومه ، والمجموع جمع ، وأوثر يختصمون على يختصمان ، وإن كان من حيث التثنية جائزا فصيحا ، لأنه مقطع فصل ، واختصامهم دعوى كل فريق أن الحق معه ، وقد ذكر الله تخاصمهم في سورة الأعراف.
ثم تلطف صالح بقومه ورفق بهم في الخطاب فقال مناديا لهم على جهة التحنن عليهم : (لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ) ، أي بوقوع ما يسوؤكم قبل الحالة الحسنة ، وهي رحمة الله. وكان قد قال لهم في حديث الناقة : (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٣) فقالوا له : (ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ) (٤). وقيل : لم تستعجلون بوقوع المعاصي منكم قبل الطاعة؟
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ٧٥.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ٧٦.
(٣) سورة الأعراف : ٧ / ٧٣.
(٤) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٢٩.