قال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى استعجالهم بالسيئة قبل الحسنة؟ وإنما يكون ذلك إذا كانتا متوقعتين إحداهما قبل الأخرى؟ قلت : كانوا يقولون بجهلهم : إن العقوبة التي يعدنا صالح ، إن وقعت على زعمه ، تبنا حينئذ واستغفرنا ، مقدرين أن التوبة مقبولة في ذلك الوقت ، وإن لم تقع ، فنحن على ما نحن عليه ، فخاطبهم صالح عليهالسلام على حسب قولهم واعتقادهم. انتهى. ثم حضهم على ما فيه درء السيئة عنهم ، وهو الإيمان واستغفار الله مما سبق من الكفر ، وناط ذلك بترجي الرحمة ، ولم يجزم بأنه يترتب على استغفارهم. وكان في التحضيض تنبيه على الخطأ منهم في استعجال العقوبة ، وتجهيل لهم في اعتقادهم.
ولما لاطفهم في الخطاب أغلظوا له وقالوا : (اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) : أي تشاءمنا بك وبالذين آمنوا معك. ودل هذا العطف على أن الفريقين كانوا مؤمنين وكافرين لقوله : (وَبِمَنْ مَعَكَ) ، وكانوا قد قحطوا. وتقدم الكلام في معنى التطير في سورة الأعراف ، جعلوا سبب قحطهم هو ذات صالح ومن آمن معه ، فرد عليهم بقوله : (طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ) : أي حظكم في الحقيقة من خير أو شر هو عند الله وبقضائه ، إن شاء رزقكم ، وإن شاء حرمكم. وقال الزمخشري : ويجوز أن يريد عملكم مكتوب عند الله ، فمنه نزل بكم ما نزل عقوبة لكم وفتنة ، ومنه طائركم معكم ، وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه. وقرىء : تطيرنا بك على الأصل ، ومعنى تطير به : تشاءم به ، وتطير منه : نفر عنه. انتهى. ثم انتقل إلى الإخبار عنهم بحالهم فقال : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) ، أي تختبرون ، أو تعذبون ، أو يفتنكم الشيطان بوسوسته إليكم الطيرة ، أو تفتنون بشهواته : أي تشفعون بها ، كما يقال : فتن فلان بفلان. وقال الشاعر :
داء قديم في بني آدم |
|
فتنة إنسان بإنسان |
وهذه أقوال يحتملها لفظ تفتنون ، وجاء تفتنون بتاء الخطاب على مراعاة أنتم ، وهو الكثير في لسان العرب. ويجوز يفتنون بياء الغيبة على مراعاة لفظ قوم ، وهو قليل. تقول العرب : أنت رجل تأمر بالمعروف ، بتاء الخطاب وبياء الغيبة. والمدينة مجتمع ثمود وقريتهم ، وهي الحجر. وذكر المفسرون أسماء التسعة ، وفي بعضها اختلاف ، ورأسهم : قدار بن سالف ، وأسماؤهم لا تنضبط بشكل ولا تتعين ، فلذلك ضربنا صفحا عن ذكرها ، وكانوا عظماء القرية وأغنياءها وفساقها. والرهط : من الثلاثة إلى العشرة ، والنفر : من الثلاثة إلى التسعة ، واتفق المفسرون على أن المعنى : تسعة رجال. وقال الزمخشري : إنما جاز