الموعود به على سبيل الاستهزاء ، قيل له : قل عسى أن يكون ردفكم بعضه : أي تبعكم عن قرب وصار كالرديف التابع لكم بعض ما استعجلتم به ، وهو كان عذاب يوم بدر. وقيل : عذاب القبر. وقرأ الجمهور : ردف ، بكسر الدال. وقرأ ابن هرمز : بفتحها ، وهما لغتان ، وأصله التعدي بمعنى تبع ولحق ، فاحتمل أن يكون مضمنا معنى اللازم ، ولذلك فسره ابن عباس وغيره بأزف وقرب لما كان يجيء بعد الشيء قريبا منه ضمن معناه ، أو مزيدا اللام في مفعوله لتأكيد وصول الفعل إليه ، كما زيدت الباء في : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ) (١) ، قاله الزمخشري ، وقد عدى بمن على سبيل التضمين لما يتعدى بها ، وقال الشاعر :
فلما ردفنا من عمير وصحبه |
|
تولوا سراعا والمنية تعنق |
أي دنوا من عمير. وقيل : ردفه وردف له ، لغتان. وقيل : الفعل محمول على المصدر ، أي الرادفة لكم. وبعض على تقدير ردافة بعض ما تستعجلون ، وهذا فيه تكلف ينزه القرآن عنه. وقيل : اللام في لكم داخلة على المفعول من أجله ، والمفعول به محذوف تقديره : ردف الخلق لأجلكم ، وهذا ضعيف. وقيل : الفاعل بردف ضمير يعود على الوعد ، ثم قال : لكم بعض ما تستعجلون على المبتدأ والخبر ، وهذا فيه تفكيك للكلام ، وخروج عن الظاهر لغير حاجة تدعو إلى ذلك. (لَذُو فَضْلٍ) : أي إفضال عليهم بترك معاجلتهم بالعقوبة على معاصيهم وكفرهم ، ومتعلق يشكرون محذوف ، أي لا يشكرون نعمه عندهم ، أو لا يشكرون بمعنى : لا يعرفون حق النعمة ، عبر عن انتفاء معرفتهم بالنعمة ، بانتفاء ما يترتب على معرفتها ، وهو الشكر.
ثم أخبر تعالى بسعة علمه ، فبدأ بما يخص الإنسان ، ثم عم كل غائبة وعبر بالصدور ، وهي محل القلوب التي لها الفكر والتعقل ، كما قال : (وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (٢) عن الحال فيها ، وهي القلوب ، وأسند الإعلان إلى ذواتهم ، لأن الإعلان من أفعال الجوارح. ولما كان المضمر في الصدر هو الداعي لما يظهر على الجوارح ، والسبب في إظهاره قدم الإكنان على الإعلان. وقرأ الجمهور : (ما تُكِنُ) ، من أكن الشيء : أخفاه. وقرأ ابن محيصن ، وحميد ، وابن السميفع : بفتح التاء وضم الكاف ، من كن الشيء : ستره ، والمعنى : ما يخفون وما يعلنون من عداوة الرسول ومكايدهم. والظاهر عموم قوله : (مِنْ غائِبَةٍ) ، أي ما من شيء في غاية الغيبوبة والخفاء إلا في كتاب
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٩٥.
(٢) سورة الحج : ٢٢ / ٤٦.