رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ، فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
(الْمَدِينَةَ) ، قال ابن عباس : هي منف. ركب فرعون يوما وسار إليها ، فعلم موسى عليهالسلام بركوبه ، فلحق بتلك المدينة في وقت القائلة ، وعنه بين العشاء والعتمة. وقال ابن إسحاق : المدينة مصر بنفسها ، وكان موسى قد بدت منه مجاهرة لفرعون وقومه بما يكرهون ، فاختفى وخاف ، فدخلها متنكرا حذرا متغفلا للناس. وقال ابن زيد : كان فرعون قد أخرجه من المدينة ، فغاب عنها سنين ، فنسي ، فجاء والناس في غفلة بنسيانهم له وبعد عهدهم به. وقيل : كان يوم عيد ، وهم مشغولون بلهوهم. وقيل : خرج من قصر فرعون ودخل مصر. وقيل : المدينة عين شمس. وقيل : قرية على فرسخين من مصر يقال لها حابين. وقيل : الإسكندرية. وقرأ أبو طالب القارئ : (عَلى حِينِ) ، بنصب نون حين ، ووجهه أنه أجرى المصدر مجرى الفعل ، كأنه قال : على حين غفل أهلها ، فبناه كما بناه حين أضيف إلى الجملة المصدرة بفعل ماض ، كقوله :
على حين عاتبت المشيب على الصبا
وهذا توجيه شذوذ. وقرأ نعيم بن ميسرة : يقتلان. بإدغام التاء في التاء ونقل فتحتها إلى القاف. قيل : كانا يقتتلان في الدين ، إذ أحدهما إسرائيلي مؤمن والآخر قبطي. وقيل : يقتتلان ، في أن كلف القبطي حمل الحطب إلى مطبخ فرعون على ظهر الإسرائيلي ، ويقتتلان صفة لرجلين. وقال ابن عطية : يقتتلان في موضع الحال. انتهى. والحال من النكرة أجازه سيبويه من غير شرط. (هذا مِنْ شِيعَتِهِ) : أي ممن شايعه على دينه ، وهو الإسرائيلي. قيل : وهو السامري ، وهذا من عدوه ، أي من القبط. وقيل : اسمه فاتون ، وهذا حكاية حال ، وقد كانا حاضرين حالة وجد أن موسى لهما ، أو لحكاية الحال ، عبر عن غائب ماض باسم الإشارة الذي هو موضوع للحاضر. وقال المبرد : العرب تشير بهذا إلى الغائب. قال جرير :
هذا ابن عمي في دمشق خليفة |
|
لو شئت ساقكم إليّ قطينا |
وقرأ الجمهور : (فَاسْتَغاثَهُ) ، أي طلب غوثه ونصره على القبطي. وقرأ سيبويه ، وابن مقسم ، والزعفراني : بالعين المهملة والنون بدل الثاء ، أي طلب منه الإعانة على القبطي. قال أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة : والاختيار قراءة ابن مقسم ، لأن الإعانة أولى في