شعيب ، ولكنا أرسلناك رسولا ، وأنزلنا عليك كتابا فيه هذه الأخبار المنسية تتلوها عليهم ، ولولاك ما أخبرتهم بما لم يشاهدوه.
وقال الفراء : (وَما كُنْتَ ثاوِياً) في أهل مدين مع موسى ، فتراه وتسمع كلامه ، وها أنت (تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) : أي على أمتك ، فهو منقطع. انتهى. قيل : وإذا لم يكن حاضرا في ذلك المكان ، فما معنى : (وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ)؟ فقال ابن عباس : التقدير : لم تحضر ذلك الموضع ، ولو حضرت ، فما شاهدت تلك الوقائع ، فإنه يجوز أن يكون هناك : ولا يشهد ولا يرى. وقال مقاتل : لم يشهد أهل مدين فيقرأ على أهل مكة خبرهم ، ولكنا أرسلناك إلى أهل مكة ، وأنزلنا إليك هذه الأخبار ، ولو لا ذلك ما علمت. وقال الضحاك : يقول إنك يا محمد لم تكن الرسول إلى أهل مدين ، تتلو عليهم آيات الكتاب ، وإنما كان غيرك ، ولكنا كنا مرسلين في كل زمان رسولا ، فأرسلنا إلى مدين شعيبا ، وأرسلناك إلى العرب لتكون خاتم الأنبياء. انتهى.
وقال الطبري : (إِذْ نادَيْنا) بأن : (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) (١) الآية. وعن أبي هريرة : أنه نودي من السماء حينئذ يا أمة محمد استجبت لكم قبل أن تدعوني ، وغفرت لكم قبل أن تسألوني ، فحينئذ قال موسى عليهالسلام : اللهم اجعلني من أمة محمد. فالمعنى : إذ نادينا بأمرك ، وأخبرناك بنبوتك. وقرأ الجمهور : (رَحْمَةً) ، بالنصب ، فقدر : ولكن جعلناك رحمة ، وقدر أعلمناك ونبأناك رحمة. وقرأ عيسى ، وأبو حيوة : بالرفع ، وقدر : ولكن هو رحمة ، أو هو رحمة ، أو أنت رحمة. (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ) : أي في زمن الفترة بينك وبين عيسى ، وهو خمسمائة وخمسون عاما ونحوه. وجواب (لَوْ لا) محذوف. والمعنى : لو لا أنهم قائلون ، إذ عوقبوا بما قدموا من الشرك والمعاصي ، هلا أرسلت إلينا رسولا؟ محتجين بذلك علينا ما أرسلنا إليهم : أي إنما أرسلنا الرسل إزالة لهذا العذر ، كما قال : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (٢) ، أن (تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ) (٣). وتقدير الجواب : ما أرسلنا إليهم الرسل ، هو قول الزجاج. وقال ابن عطية : تقديره : لعاجلناهم بما يستحقونه. والمصيبة : العذاب. ولما كان أكثر الأعمال تزاول بالأيدي ، عبر عن كل عمل باجتراح الأيدي ، حتى أعمال القلوب ، اتساعا في الكلام ، وتصيير الأقل تابعا للأكثر ، وتغليب الأكثر على الأقل. والفاء في (فَيَقُولُوا) للعطف على نصيبهم ، ولو لا الثانية للتحضيض. وفنتبع : الفاء فيه جواب للتحضيض.
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ١٥٧.
(٢) سورة النساء : ٤ / ١٦٥.
(٣) سورة المائدة : ٥ / ١٩.