وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف استقام هذا المعنى ، وقد جعلت العقوبة هي السبب في الإرسال لا القول لدخول حرف الامتناع عليها دونه؟ قلت : القول هو المقصود بأن يكون سببا لإرسال الرسل ، ولكن العقوبة ، لما كانت هي السبب للقول ، فكان وجوده بوجودها ، جعلت العقوبة كأنها سبب الإرسال بواسطة القول ، فأدخلت عليها لو لا ، وجيء بالقول معطوفا عليها بالفاء المعطية معنى السببية ، ويؤول معناها إلى قولك : ولو لا قولهم هذا ، (إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ) (١) لما أرسلنا ، ولكن اختيرت هذه الطريقة لنكتة ، وهو أنهم لم يعاقبوا مثلا على كفرهم ، وقد عاينوا ما ألجئوا به إلى العلم اليقين. لم يقولو : لو لا أرسلت إلينا رسولا ، وإنما السبب في قولهم هذا هو العقاب لا غير ، لا التأسف على ما فاتهم من الإيمان بخالقهم. وفي هذا من الشهادة القوية على استحكام كفرهم ورسوخهم فيه ما لا يخفى ، كقولهم : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) (٢). انتهى.
(الْحَقُ) : هو الرسول ، محمد صلىاللهعليهوسلم ، جاء بالكتاب المعجز الذي قطع معاذيرهم. وقيل : القرآن ، (مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى). (مِنْ قَبْلُ) : أي من قبل الكتاب المنزل جملة واحدة ، وانقلاب العصا حية ، وفلق البحر ، وغيرها من الآيات. اقترحوا ذلك على سبيل التعنت والعناد ، كما قالوا : لو لا أنزل عليه كنز ، وما أشبه ذلك من المقترحات لهم. وهذه المقالة التي قالوها هي من تعليم اليهود لقريش ، قالوا لهم. ألا يأتي بآية باهرة كآيات موسى ، فرد الله عليهم بأنهم كفروا بآيات موسى ، وقد وقع منهم في آيات موسى ما وقع من هؤلاء في آيات الرسول. فالضمير في : (أَوَلَمْ يَكْفُرُوا) لليهود ، قاله ابن عطية. وقيل : قائل ذلك العرب بالتعليم ، كما قلنا. وقيل : قائل ذلك اليهود ، ويظهر عندي أنه عائد على قريش الذين قالوا : (لَوْ لا أُوتِيَ) : أي محمد ، (بِما أُوتِيَ مُوسى) ، وذلك أن تكذبيهم لمحمد صلىاللهعليهوسلم تكذيب لموسى عليهالسلام ، ونسبتهم السحر للرسول نسبة السحر لموسى ، إذ الأنبياء هم من واد واحد. فمن نسب إلى أحد من الأنبياء ما لا يليق ، كان ناسبا ذلك إلى جميع الأنبياء. وتتناسق الضمائر كلها في هذا ، في قوله : (قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ) وإن كان الظاهر من القول إنه النطق اللساني ، فقد ينطلق على الاعتقاد وهم من حيث إنكار النبوات ، معتقدون أن ما ظهر على أيدي الأنبياء من الآيات إنما هو من باب السحر.
وقال الزمخشري : (أَوَلَمْ يَكْفُرُوا) ، يعني آباء جنسهم ، ومن مذهبهم مذهبهم ، وعنادهم عنادهم ، وهم الكفرة في زمن موسى (بِما أُوتِيَ مُوسى). وعن الحسن : قد كان
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٥٦ ، وسورة النساء : ٤ / ٦٢.
(٢) سورة الأنعام : ٦ / ٢٨.