وقال الحوفي : الناصب له محذوف تقديره أذكر. وقال أبو البقاء : (إِذْ قالَ لَهُ) ظرف لآتيناه ، وهو ضعيف أيضا ، لأن الإيتاء لم يكن وقت ذلك القول. وقال أيضا : ويجوز أن يكون ظرفا لفعل محذوف دل عليه الكلام ، أي بغى عليهم ، (إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ). انتهى. ويظهر أن يكون تقديره : فأظهر التفاخر والفرح بما أوتي من الكنوز ، (إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ). وقال تعالى : (وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) (١) ، والعرب تمدح بترك الفرح عند إقبال الخير. وقال الشاعر :
ولست بمفراح إذا الدهر سرني |
|
ولا جازع من صرفه المتحول |
وقال الآخر :
إن تلاق منفسا لا تلقنا |
|
فرح الخير ولا نكبوا الضر |
وقرىء : الفارحين ، حكاه عيسى بن سليمان الحجازي. و (لا يُحِبُ) : صفة فعل ، لا صفة ذات ، بمعنى الإرادة ، لأن الفرح أمر قد وقع ، فالمعنى : لا يظهر عليهم بركته ، ولا يعمهم رحمته. ولما نهوه عن الفرح المطغى ، أمروه بأن يطلب ، فيما آتاه الله من الكنوز وسعة الرزق ، ثواب الدار الآخرة ، بأن يفعل فيه أفعال البر ، وتجعله زادك إلى الآخرة. (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا) ، قال ابن عباس ، والجمهور : معناه : ولا تضيع عمرك في أن لا تعمل صالحا في دنياك ، إذ الآخرة إنما يعمل لها في الدنيا ، فنصيب الإنسان عمره وعمله الصالح فيها ، وهذا التأويل فيه عظة. وقال الحسن ، وقتادة : معناه : لا تضيع حظك من الدنيا في تمتعك بالحلال وطلبك إياه ونظرك لعاقبة دنياك ، وفي هذا التأويل بعض رفق. وقال الحسن : معناه : قدم الفضل وأمسك ما تبلغ به. وقال مالك : هو الأكل والشرب بلا سرف. وقيل : أرادوا بنصيبه الكفن ، وهذا وعظ متصل ، كأنهم قالوا : تترك جميع مالك ، لا يكون نصيبك منه إلا الكفن ؛ كما قال الشاعر :
نصيبك مما تجمع الدهر كله |
|
رداءان تأوي فيهما وحنوط |
وقال الزمخشري : أن تأخذ منه ما يكفيك ويصلحك ، وهذا قريب من قول الحسن : (وَأَحْسِنْ) إلى عباد الله ، أو بشكرك وطاعتك لله. (كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ) بتلك النعم التي خولكها ، والكاف للتشبيه ، وهو يكون في بعض الأوصاف ، لأن مماثلة إحسان العبد لإحسان الله من جميع الصفات يمتنع أن تكون ، فالتشبيه وقع في مطلق الإحسان ، أو تكون
__________________
(١) سورة الحديث : ٥٧ / ٢٣.