كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (١). وقيل : أهلك من أهلك من القرون ، عن علم منه بذنوبهم ، فلم يحتج إلى مسألتهم عنها. وقيل : هو مستأنف عن حال يوم القيامة. قال قتادة : لا يسألون عن ذنوبهم لظهورها وكثرتها ، لأنهم يدخلون النار بغير حساب. وقال قتادة أيضا ، ومجاهد : لا تسألهم الملائكة عن ذنوبهم ، لأنهم يعرفونهم بسيماهم من السواد والتشويه ، كقوله : (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ) (٢). وقيل : لا يسألون سؤال توبيخ وتفريع. وقرأ أبو جعفر في روايته : ولا تسأل ، بالتاء والجزم ، المجرمين : نصب. وقرأ ابن سيرين ، وأبو العالية : كذلك في ولا تسأل على النهي للمخاطب ، وكان ابن أبي إسحاق لا يجوّز ذلك إلّا أن يكون المجرمين بالياء في محل النصب ، بوقوع الفعل عليه. قال صاحب اللوامح : فالظاهر ما قاله ، ولم يبلغني في نصب المجرمين شيء ، فإن تركاه على رفعه ، فله وجهان : أحدهما : أن تكون الهاء والميم في (عَنْ ذُنُوبِهِمُ) راجعة إلى ما تقدم من القرون ، وارتفاع المجرمين بإضمار المبتدأ ، وتقديره : هم المجرمون ، أو أولئك المجرمون ، ومثله : (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ) (٣) في التوبة. والثاني : أن يكون بدلا من أصل الهاء والميم في ذنوبهم ، لأنها ، وإن كانت في محل الجر بالإضافة إليها ، فإن أصلها الرفع ، لأن الإضافة إليها بمنزلة إضافة المصدر إلى اسم الفاعل ؛ فعلى ذلك المجرمون محمول على الأصل ، على ما تقدم لنا من أن بعضهم قرأ : (أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً) (٤) بالجر ، على أنها بدل من أصل المثل ، وما زائدة فيه ، وتقديره : لا يستحي بضرب مثل بعوضة ، أي بضرب بعوضة. في ذلك فسر أن مع الفصل بالمصدر ناصب إلى المفعول به ، ثم أبدل منه البعوضة من غير أن أعرف فيها أثرا لحال. فأما قوله : من ذنوبهم ، فذنوب جمع ، فإن كان جمع مصدر ، ففي إعماله خلاف. وأما قوله على ما تقدم لنا من أن بعضهم قرأ ، فقد ذكر في البقرة أنه سمع ذلك ، ولا نعرف فيها أثرا ، فينبغى أن لا يجعلها قراءة.
ولما ذكر تعالى قارون ونعته ، وما آتاه من الكنوز ، وفرحه بذلك فرح البطرين ، وادعاءه أن ما أوتي من ذلك إنما أوتيه على علم ، ذكر ما هو ناشىء عن التكبر والسرور بما أوتي فقال : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) ، وكان يوم السبت : أي أظهر ما يقدر عليه من الملابس والمراكب وزينة الدنيا. قال جابر ، مجاهد : في ثياب حمر. وقال ابن زيد : هو وحشمه في ثياب معصفرة. وقيل : في ثياب الأرجوان. وقيل : على بغلة شهباء عليها
__________________
(١) سورة المدثر : ٧٤ / ٣٨.
(٢) سورة الرحمن : ٥٥ / ٤١.
(٣) سورة التوبة : ٩ / ١١٢.
(٤) سورة البقرة : ٢ / ٢٦.