مسند ومسند إليه سد مسد المفعولين ، كقولهم : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) (١). ويجوز أن تضمن حسب معنى قدر ، وأم منقطعة. ومعنى الإضراب فيها أن هذا الحسبان الأول ، لأن ذلك يقدر أن لا يمتحن لإيمانه ، وهذا يظن أنه لا يجازى بمساويه. انتهى.
أمّا قوله : وهو لم يطمعوا في الفوت ، إلى آخر قوله : ويطمع فيه ، فليس كما ذكر ، بل هم معتقدون أن لا بعث ولا جزاء ، ولا سيما السرية التي نص عليها ابن عباس ، وما ذكره ، كما الزمخشري ، هو على اعتقاد من يعلم أن الله يجازيه ، ولكن طمع في عفو الله. وأما قوله : اشتمال صلة أن ، إلى آخره ، فقد كان ينبغي أن يقدر ذلك في قوله : (أَنْ يُتْرَكُوا) ، فيجعل ذلك سد مسد المفعولين ، ولم يقدر ما لا يصح تقديره ، وأمّا قوله : ويجوز أن تضمن حسب معنى قدر ، فتعين إن أن وما بعدها في موضع مفعول واحد ، والتضمين ليس بقياس ، ولا يصار إليه إلا عند الحاجة إليه ، وهذا لا حاجة إليه.
(ساءَ ما يَحْكُمُونَ) ، قال الزمخشري ، وابن عطية ما معناه : أن (ما) موصولة و (يَحْكُمُونَ) صلتها ، أو تمييز بمعنى شيء ، ويحكمون صفة ، والمخصوص بالذم محذوف ، فالتقدير : أي حكمهم. انتهى. وفي كون ما موصولة مرفوعة بساء ، أو منصوبة على التمييز خلاف مذكور في النحو. وقال ابن كيسان : ما مصدرية ، فتقديره : بئس حكمهم. وعلى هذا القول يكون التمييز محذوفا ، أي ساء حكما حكمهم. وساء هنا بمعنى : بئس ، وتقدم حكم بئس إذا اتصل بها ما ، والفعل في قوله : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) (٢) مشبعا في البقرة. وجاء بالمضارع ، وهو (يَحْكُمُونَ) ، قيل : إشعارا بأن حكمهم مذموم حالا واستقبالا ، وقيل : لأجل الفاصلة وقع المضارع موقع الماضي اتساعا. والظاهر أن (يَرْجُوا) على بابها ، ومعنى (لِقاءَ اللهِ) : الوصول إلى عاقبة الأمر من الموت والبعث والجزاء ؛ مثلت حاله بحالة عبد قدم على مولاه من سفر بعيد ، وقد اطلع مولاه على ما عمل في غيبته عنه ، فإن كان عمل خيرا ، تلقاه بإحسان أو شرا ، فبضد الإحسان.
(فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ) : وهو ما أجله وجعل له أجلا ، لا نفسه لا محالة ، فليبادر لما يصدق رجاءه. وقال أبو عبيدة : يرجو : يخاف ، ويظهر أن جواب الشرط محذوف ، أي (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ) ، فليبادر بالعمل الصالح الذي يحقق رجاءه ، فإن ما أجله الله تعالى من لقاء جزائه لآت. والظاهر أن قوله : (وَمَنْ جاهَدَ) ، معناه : ومن جاهد نفسه بالصبر على
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢١٤.
(٢) سورة البقر : ٢ / ١٠٢.