الطاعات ، فثمرة جهاده ، وهو الثواب المعد له ، إنما هو له ، لا لله ، والله تعالى عني عنه وعن العالمين ، وإنما كلفهم ما كلفهم إحسانا إليهم. (لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) : يشمل من كان كافرا فآمن وعمل صالحا ، فأسقط عنه عقاب ما كان قبل الإيمان من كفر ومعصية ، ومن نشأ مؤمنا عاملا للصالحات وأساء في بعض أعماله ، فكفر عنه ذلك ، وكانت سيئاته مغمورة بحسناته. (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي) : أي أحسن جزاء أعمالهم. وقال ابن عطية : فيه حذف مضاف تقديره : ثواب أحسن الذي كانوا يعملون. انتهى. وهذا التقدير لا يسوغ ، لأنه يقتضي أن أولئك يجزون ثواب أحسن أعمالهم ، وأما ثواب حسنها فمسكوت عنه ، وهم يجزون ثواب الأحسن والحسن ، إلّا إن أخرجت أحسن عن بابها من التفضيل ، فيكون بمعنى حسن ، فإنه يسوغ ذلك. وأما التقدير الذي قبله فمعناه : أنه مجزي أحسن جزاء العمل ، فعمله يقتضي أن تكون الحسنة بمثلها ، فجوزي أحسن جزائها ، وهي أن جعلت بعشر أمثالها. وفي هذه الآيات تحريك وهزا لمن تخلف عن الجهرة أن يبادر إلى استدراك ما فرط فيه منها ، وثناء على المؤمنين الذين بادروا إلى الهجرة ، وتنويه بقدرهم.
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ) ، في جامع الترمذي : إنها نزلت في سعد بن أبي وقاص ، آلت أمه أن لا يطعم ولا يشرب حتى تموت ، أو يكفر. وقيل : في عياش بن أبي ربيعة ، أسلم وهاجر مع عمر ، وكانت أمه شديدة الحب له ، وحلفت على مثل ذلك ، فتحيل عليه أبو جهل وأخوه الحارث ، فشداه وثاقا حين خرج معهما من المدينة إلى أمه قصدا ليراها ، وجلده كل منهما مائة جلدة ، ورداه إلى أمه فقالت : لا يزال في عذاب حتى يكفر بمحمد ، في حديث طويل ذكر في السير. (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ) : أي أمرناه بتعهدهما ومراعاتهما. وانتصب (حُسْناً) على أنه مصدر ، وصف به مصدر وصينا ، أي إيصاء حسنا ، أي ذا حسن ، أو على سبيل المبالغة ، أي هو في ذاته حسن. قال ابن عطية : يحتمل أن ينتصب على المفعول ، وفي ذلك تحريض على كونه عاما لمعان. كما تقول : وصيتك خيرا ، وأوصيتك شرا ؛ وعبّر بذلك عن جملة ما قلت له ، ويحسن ذلك دون حرف الجر ، كون حرف الجر في قوله : (بِوالِدَيْهِ) ، لأن المعنى : ووصينا الإنسان بالحسن في قوله مع والده ، ونظير هذا قول الشاعر :
عجبت من دهماء إذ تشكونا |
|
ومن أبي دهماء إذ يوصينا |
انتهى. مثله قول الحطيئة يوصي ابنته برة :
وصيت من برة قلبا حرا |
|
بالكلب خيرا والحماة شرا |