وعلى هذا التقدير يكون الأصل بخير ، وهو المفعول الثاني. والباء في بوالديه وفي بالحماة وبالكلب ظرفية بمعنى في ، أي وصينا الإنسان في أمر والديه بخير. قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون المفعول الثاني في قوله : (بِوالِدَيْهِ) ، وينتصب (حُسْناً) بفعل مضمر تقديره : يحسن حسنا ، وينتصب انتصاب المصدر. وفي التحرير : حسنا نصب عند البصريين على التكرير ، أي وصيناه حسنا ، وقيل : على القطع ، تقديره : ووصينا بالحسن ، كما تقول : وصيته خيرا ، أي بالخير ، ويعني بالقطع عن حرف الجر ، فانتصب. وقال أهل الكوفة : ووصينا الإنسان أن يفعل حسنا ، فيقدر له فعل. انتهى. وفي هذا القول حذف أن وصلتها وإبقاء المعمول ، وهو لا يجوز عند البصريين. وقال الزمخشري : وصيناه بإيتاء والديه حسنا ، أو نائلا والديه حسنا ، أي فعلا ذا حسن ، وما هو في ذاته حسن لفرط حسنه ، كقوله : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (١). انتهى. وهذا التقدير فيه إعمال المصدر محذوفا وإبقاء معموله ، وهو لا يجوز عند البصريين. قال الزمخشري : ويجوز أن يجعل حسنا من باب قولك : زيدا ، بإضمار اضرب إذا رأيته متهيأ للضرب ، فتنصبه بإضمار أولهما ، أو افعل بهما ، لأن الوصية بهما دالة عليه ، وما بعده مطابق له ، فكأنه قال : قلنا أولهما معروفا. وقرأ عيسى ، والجحدري : حسنا ، بفتحتين ؛ والجمهور : بضم الحاء وإسكان السين ، وهما كالبخل والبخل. وقال أبو الفضل الرازي : وانتصابه بفعل دون التوصية المقدمة ، لأنها قد أخذت مفعوليها معا مطلقا ومجرورا ، فالحسن هنا صفة أقيم مقام الموصوف بمعنى : أمر حسن. انتهى ، أي أمرا حسنا ، حذف أمرا وأقيم حسن مقامه. وقوله : مطلقا ، عنى به الإنسان ، وفيه تسامح ، بل هو مفعول به ؛ والمطلق إنما هو المصدر ، لأنه مفعول لم يقيد من حيث التفسير بأداة جر ، بخلاف سائر المفاعيل ، فإنك تقول : مفعول به ، ومفعول فيه ، ومفعول معه ، ومفعول له ؛ وفي مصحف أبي : إحسانا.
(وَإِنْ جاهَداكَ) : أي وقلنا : إن جاهداك (ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) : أي بإلهيته ، فالمراد بنفي العلم نفي المعلوم ، أي (لِتُشْرِكَ) به شيئا ، لا يصح أن يكون إلها ولا يستقيم ، (فَلا تُطِعْهُما) فيما جاهداك عليه من الإشراك ؛ (إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) : شامل للموصي والموصى والمجاهد والمجاهد ، (فَأُنَبِّئُكُمْ) : فأجازيكم ، (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) : من بر ، أو عقوق ، أو طاعة ، أو عصيان. وكرر تعالى ما رتب للمؤمنين من دخولهم (فِي الصَّالِحِينَ) ، ليحرك النفوس إلى نيل مراتبهم. ومعنى (فِي الصَّالِحِينَ) : في جملتهم ،
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٨٣.