ومرتبة الصلاح شريفة ، أخبر الله بها عن إبراهيم ، وسألها سليمان ، عليهماالسلام ، وأخبر تعالى أن يجعل من أطاع الله ورسوله معهم. ويجوز أن يكون التقدير : في ثواب الصالحين ، وهي الجنة. ولما ذكر تعالى ما أعده للمؤمنين الخلص ، ذكر حال المنافقين ناسا آمنوا بألسنتهم ، فإذا آذاهم الكفار ، جعلوا ذلك الأذى ، وهو فتنة الناس ، صارفا لهم عن الإيمان ؛ كما أن عذاب الله صارف للمؤمنين عن الكفر ؛ وكونها نزلت في منافقين ، قول ابن زيد. وقال الزجاج : جزع كما يجزع من عذاب الله ، وهذا معنى قول مجاهد والضحاك. وقال قتادة : فيمن هاجر ، فردهم المشركون إلى مكة. وقيل : في مؤمنين أخرجهم إلى بدر المشركون قارتدوا ، وهم الذين قال فيهم : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) (١).
(وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ) : أي للمؤمنين ، (لَيَقُولُنَ) : أي القائلون أوذينا في الله ، (إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) : أي متابعون لكم في دينكم ، أو مقاتلون معكم ناصرون لكم ، قاسمونا فيما حصل لكم من الغنائم. وهذه الجملة المقسم عليها مظهرة مغالطتهم ، إذ لو كان إيمانهم صحيحا ، لصبروا على أذى الكفار ، وإن كانت فيمن هاجر ، وكانوا يحتالون في أمرهم ، وركبوا كل هول في هجرتهم. وقرىء : ليقولن ، بفتح اللام ، ذكره أبو معاذ النحوي والزمخشري. وأعلم : أفعل تفضيل ، أي من أنفسهم ؛ وبما في صدورهم : أي بما تكن صدورهم من إيمان ونفاق ، وهذا استفهام معناه التقرير ، أي قد علم ما انطوت عليه الضمائر من خير وشر. (وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ) : ظاهر في أن ما قبل هذه الجملة في المنافقين ، كما قال ابن زيد ، وعلمه بالمؤمن ، وعدله بالثواب ، وبالمنافق وعيد له بالعقاب. ولما ذكر حال المؤمنين والمنافقين ، ذكر مقالة الكافرين قولا واعتقادا ، وهم رؤساء قريش. قال مجاهد : كانوا يقولن لمن آمن منهم : لا نبعث نحن ولا أنتم ، فإن كان عليكم شيء فهو علينا. وقيل : قائل ذلك أبو سفيان بن حرب وأمية بن خلف ، قال لعمران : كان في الإقامة على دين الآباء إثم ، فنحن نحمله عنك ، وقيل : قائل ذلك الوليد بن المغيرة. قال ابن عطية : وقوله : (وَلْنَحْمِلْ) ، أخبر أنهم يحملون خطاياهم على جهة التشبيه بالنقل ، لكنهم أخرجوه في صيغة الأمر ، لأنها أوجب وأشد تأكيدا في نفس السامع من المجازاة ، ومن هذا النوع قول الشاعر :
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٩٧.