قال ابن عباس : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) ، هو نحت الأصنام وخلقها ، سماها إفكا توسعا من حيث يفترون بها الإفك في أنها آلهة. وقال مجاهد : هو اختلاف الكذب في أمر الأوثان وغير ذلك. وقال الزمخشري : إفكا فيه وجهان : أحدهما : أن تكون مصدرا نحو : كذب ولعب ، والإفك مخفف منه ، كالكذب واللعب من أصلهما ، وأن تكون صفة على فعل ، أي خلقا إفكا ، ذا إفك وباطل ، واختلافهم الإفك تسمية الأوثان آلهة وشركاء لله وشفعاء إليه ، أو سمي الأصنام إفكا ، وعملهم لها ونحتهم خلقا للإفك. انتهى.
وهذا الترديد منه في نحو : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) ، قولان لابن عباس ومجاهد ، وقد تقدم لنا نقلهما عنهما ونفيهم بقوله : (لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً) على جهة الاحتجاج بأمر يفهمه عامّتهم وخاصتهم ، فقرر أن الأصنام لا ترزق ، والرزق يحتمل أن يريد به المصدر : لا يملكون أن يرزقوكم شيئا من الرزق ، واحتمل أن يكون اسم المرزوق ، أي لا يملكون لكم إيتاء رزق ولا تحصيله ، وخص الرزق لمكانته من الخلق. ثم أمرهم بابتغاء الرزق ممن هو يملكه ويؤتيه ، وذكر الرزق لأن المقصود أنهم لا يقدرون على شيء منه ، وعرفه بعد لدلالته على العموم ، لأنه تعالى عنده الأرزاق كلها. (وَاشْكُرُوا لَهُ) على نعمه السابغة من الرزق وغيره. و (إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) : أي إلى جزائه ، أخبر بالمعاد والحشر. ثم قال : (وَإِنْ تُكَذِّبُوا) : أي ليس هذا مبتكرا منكم ، وقد سبق ذلك من أمم الرسل ، قيل : قوم شيث وإدريس وغيرهم. وروي أن إدريس عليهالسلام عاش في قومه ألف سنة ، فآمن به ألف إنسان على عدد سنيه ، وباقيهم على التكذيب.
(وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) : تقدم الكلام على مثل هذه الجملة. وقرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر ، بخلاف عنه : تروا ، بتاء الخطاب ؛ وباقي السبعة : بالياء. والجمهور : يبدىء ، مضارع أبدأ ؛ والزبير. وعيسى ، وأبو عمرو : بخلاف عنه : يبدأ ، مضارع بدأ. وقرأ الزهري : (كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) ، بتخفيف الهمزة بإبدالها ألفا ، فذهبت في الوصل ، وهو تخفيف غير قياسي ، كما قال الشاعر :
فارعى فزارة لا هناك المرتع
وقياس تخفيف هذا التسهيل بين بين ، وتقريرهم على رؤية بدء الخلق في قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا) ، وفي : (فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) ، إنما هو لمشاهدتهم إحياء الأرض بالنبات ، وإخراج أشياء من العدم إلى الوجود ، وقوله : (ثُمَّ يُعِيدُهُ) ، وقوله : (ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ) ، ليس داخلا تحت الرؤية ولا تحت النظر ، فليس (ثُمَّ يُعِيدُهُ) معطوفا على (يُبْدِئُ) ،