أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ ، وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).
أكثر المفسرين ذهبوا إلى أن قوله : (يا عِبادِيَ) الآية ، نزلت فيمن كان مقيما بمكة ؛ أمروا بالهجرة عنها إلى المدينة ، أي جانبوا أهل الشرك ، واطلبوا أهل الإيمان. وقال أبو العالية : سافروا لطلب أوليائه. وقال ابن جبير ، وعطاء ، ومجاهد ، ومالك بن أنس : الأرض التي فيها الظلم والمنكر تترتب فيها هذه الآية ، ويلزم الهجرة عنها إلى بلد حق. وقال مطرف بن الشخير : (إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ) عدة بسعة الرزق في جميع الأرض. وقيل : أرض الجنة واسعة أعطيكم. وقال مجاهد : سافروا لجهاد أعدائه. (فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) ، من باب الاشتغال : أي فإياي اعبدوا فاعبدون. وقال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى الفاء في فاعبدون ، وتقدم المفعول؟ قلت : الفاء جواب شرط محذوف ، لأن المعنى : إن أرضي واسعة ، فإن لم تخلصوا العبادة في أرض ، فاخلصوها في غيرها. ثم حذف الشرط وعوض من حذفه تقديم المفعول ، مع إفادة تقديمه معنى الاختصاص والإخلاص. انتهى. ويحتاج هذا الجواب إلى تأمل.
ولما أخبر تعالى بسعة أرضه ، وكان ذلك إشارة إلى الهجرة ، وأمر بعبادته ، فكأن قد يتوهم متوهم أنه إذا خرج من أرضه التي نشأ فيها لأجل من حلها من أهل الكفر إلى دار الإسلام ، لا يستقيم له فيها ما كان يستقيم له في أرضه ، وربما أدى ذلك إلى هلاكه. أخبر أن كل نفس لها أجل تبلغه ، وتموت في أي مكان حل ، وأن رجوع الجمع إلى أجزائه يوم القيامة. وقرأ علي : (تُرْجَعُونَ) ، مبنيا للفاعل ؛ والجمهور : مبينا للمفعول ، بتاء الخطاب. وروي عن عاصم : بياء الغيبة. وقرأ أبو حيوة : (ذائِقَةُ) ، بالتنوين ؛ (الْمَوْتِ) : بالنصب. وقرأ : (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ) ، من المباءة. وقرأ علي ، وعبد الله ، والربيع بن خيثم ، وابن وثاب ، وطلحة ، وزيد بن علي ، وحمزة ، والكسائي : من الثواء ؛ وبوّأ يتعدى لاثنين. قال تعالى : (تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ) (١) ، وقد جاء متعديا باللام. قال تعالى : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ) (٢) ، والمعنى : ليجعلنّ لهم مكان مباءة ، أي مرجعا يأوون إليه. (غُرَفاً) : أي علالي ، وأما ثوى فمعناه : أقام ، وهو فعل لازم ، فدخلت عليه همزة التعدية فصار يتعدى إلى واحد ، وقد قرىء مشددا عدى بالتضعيف ، فانتصب
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ٢١ / ١.
(٢) سورة الحج : ٢٢ / ٢٦.