يَتَفَرَّقُونَ ، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ ، وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ).
هذه السورة مكية ، قال ابن عطية وغيره ، بلا خلاف. وقال الزمخشري : إلا قوله : (فَسُبْحانَ اللهِ). وسبب نزولها أن كسرى بعث جيشا إلى الروم ، وأمر عليهم رجلا ، واختلف النقلة في اسمه ؛ فسار إليهم بأهل فارس ، وظفر وقتل وخرب وقطع زيتونهم ، وكان التقاؤهم بأذرعات وبصرى ، وكان قد بعث قيصر رجلا أميرا على الروم. وقال مجاهد : التقت بالجزيرة. وقال السدي : بأرض الأردن وفلسطين ، فشق ذلك على المسلمين لكونهم مع الروم أهل الكتاب ، وفرح بذلك المشركون لكونهم مع المجوس ليسوا بأهل كتاب. وأخبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أن الروم (سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ).
ونزلت أوائل الروم ، فصاح أبو بكر بها في نواحي مكة : (الم ، غُلِبَتِ الرُّومُ ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ). فقال ناس من مشركي قريش : زعم صاحبك أن الروم ستغلب فارسا في بضع سنين ، أفلا نراهنك على ذلك؟ فقال : بلى ، وذلك قبل تحريم الرهان. فاتفقوا أن جعلوا بضع سنين وثلاث قلائص ، وأخبر أبو بكر رسول الله بذلك فقال : «هلا اختطبت؟ فارجع فزدهم في الأجل والرهان». فجعلوا القلائص مائة ، والأجل تسعة أعوام. فظهرت الروم على فارس في السنة السابعة ، وكان ممن راهن أبيّ بن خلف. فلما أراد أبو بكر الهجرة ، طلب منه أبيّ كفيلا بالخطر إن غلبت ، فكفل به ابنه عبد الرحمن. فلما أراد أبيّ الخروج إلى أحد ، طلبه عبد الرحمن بالكفيل ، فأعطاه كفيلا ومات أبيّ من جرح جرحه النبي صلىاللهعليهوسلم. وظهر الروم على فارس يوم الحديبية. وقيل : كان النصر يوم بدر للفريقين ، فأخذ أبو بكر الخطر من ذرية أبي ، وجاء به إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال له : «تصدق به».
وسبب ظهور الروم ، أن كسرى بعث إلى شهريزان ، وهو الذي ولاه على محاربة الروم ، أن اقتل أخاك فرّخان لمقالة قالها ، وهي قوله : لقد رأيتني جالسا على سرير كسرى ، فلم يقتله. فبعث إلى فارس أني عزلت شهريزان ووليت أخاه فرّخان ، وكتب إليه : إذا ولي ، أن يقتل أخاه شهريزان ، فأراد قتله ، فأخرج له شهريزان ثلاث صحائف من كسرى يأمره بقتل أخيه فرّخان. قال : وراجعته في أمرك مرارا ، ثم تقتلني بكتاب واحد؟ فرد الملك إلى أخيه. وكتب شهريزان إلى قيصر ملك الروم ، فتعاونا على كسرى ، فغلبت الروم فارس ،