على أنه هنا للندب ولم يخل عصر من الأعصار من وجود (الْأَيامى) ولم ينكر ذلك ولا أمر الأولياء بالنكاح.
وقال الزمخشري : (الْأَيامى) واليتامى أصلهما أيائم ويتائم فقلبا انتهى. وفي التحرير قال أبو عمر : وأيامى مقلوب أيائم ، وغيره من النحويين ذكر أن أيما ويتيما جمعا على أيامي ويتامى شذوذا يحفظ ووزنه فعالى ، وهو ظاهر كلام سيبويه. قال سيبويه في أواخر هذا باب تكسيرك ما كان من الصفات. وقالوا : وج ووجيا كما قالوا : زمن وزمنى فأجروه على المعنى كما قالوا : يتيم ويتامى وأيم وأيامى فأجروه مجرى رجاعي انتهى. وتقدم في المفردات الأيم من لا زوج له من ذكر أو أنثى. وفي شرح كتاب سيبويه لأبي بكر الخفاف : الأيم التي لا زوج لها ، وأصله في التي كانت متزوجة ففقدت زوجها برزء طرأ عليها فهو من البلايا ، ثم قيل في البكر مجازا لأنها لا زوج لها انتهى.
(مِنْكُمْ) خطاب للمؤمنين ، أمر تعالى بإنكاح من تأيم من الأحرار والحرائر ومن فيه صلاح من العبيد والإماء ، واندرج المؤنث في المذكر في قوله (وَالصَّالِحِينَ) وخص الصالحين ليحصن لهم دينهم ويحفظ عليهم صلاحهم ، ولأن (الصَّالِحِينَ) من الأرقاء هم الذين يشفق مواليهم عليهم وينزلونهم منزلة الأولاد في الأثرة والمودة ، فكانوا مظنة للاهتمام بشأنهم وتقبل الوصية فيهم ، والمفسدون منهم حالهم عند مواليهم على عكس ذلك. وقيل : معنى (وَالصَّالِحِينَ) أي للنكاح والقيام بحقوقه. وقرأ مجاهد والحسن من عبيدكم بالياء مكان الألف وفتح العين وأكثر استعماله في المماليك.
و (إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) هذا مشروط بالمشيئة المذكورة في قوله : (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ) (١). (وَاللهُ واسِعٌ) أي ذو غنى وسعة ، يبسط الله لمن يشاء (عَلِيمٌ) بحاجات الناس ، فيجري عليهم ما قدر من الرزق. (وَلْيَسْتَعْفِفِ) أي ليجتهد في العفة وصون النفس وهو استفعل بمعنى طلب العفة من نفسه وحملها عليها ، وجاء الفك على لغة الحجاز ولا يعلم أحد قرأ وليستعف بالإدغام (الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً). قيل النكاح هنا اسم ما يمهر وينفق في الزواج كاللحاف واللباس لما يلتحف به ويلبس ، ويؤيده قوله (حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) فالمأمور بالاستعفاف هو من عدم المال الذي يتزوج به ويقوم بمصالح الزوجية. والظاهر أنه أمر ندب لقوله قبل (إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ).
__________________
(١) سورة التوبة : ٩ / ٢٨.