ومعنى (لا يَجِدُونَ نِكاحاً) أي لا يتمكنون من الوصول إليه ، فالمعنى أنه أمر بالاستعفاف كل من تعذر عليه النكاح ولا يجده بأي وجه تعذر ، ثم أغلب الموانع عن النكاح عدم المال و (حَتَّى يُغْنِيَهُمُ) ترجئة للمستعففين وتقدمة للوعد بالتفضل عليهم ، فالمعنى ليكون انتظار ذلك وتأميله لطفا في استعفافهم وربطا على قلوبهم ، وما أحسن ما ترتبت هذه الأوامر حيث أمر أولا بما يعصم عن الفتنة ويبعد عن مواقعة المعصية وهو غض البصر ، ثم بالنكاح الذي يحصن به الدين ويقع به الاستغناء بالحلال عن الحرام ، ثم بالحمل على النفس الأمارة بالسوء وعزفها عن الطموح إلى الشهوة عند العجز عن النكاح إلى أن يرزق القدرة عليه انتهى. وهو من كلام الزمخشري وهو حسن ، ولما بعث السيد على تزويج الصالحين من العبيد والإماء رغبهم في أن يكاتبوهم إذا طلبوا ذلك ليصيروا أحرارا فيتصرفون في أنفسهم.
(وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ) أي المكاتبة كالعتاب والمعاتبة. (مِمَّا مَلَكَتْ) يعم المماليك الذكور والإناث. و (الَّذِينَ) يحتمل أن يكون مبتدأ وخبره الجملة ، والفاء دخلت في الخبر لما تضمن الموصول من معنى اسم الشرط ، ويحتمل أن يكون منصوبا كما تقول : زيدا فاضربه لأنه يجوز أن تقول زيدا فاضرب ، وزيدا اضرب ، فإذا دخلت الفاء كان التقدير بنية فاضرب زيدا فالفاء في جواب أمر محذوف ، وهذا يوضح في النحو بأكثر من هذا. قال الأزهري : وسمي هذا العقد مكاتبة لما يكتب للعبد على السيد من العتق إذا أدى ما تراضيا عليه من المال ، وما يكتب للسيد على العبد من النجوم التي يؤديها ، والظاهر وجوب المكاتبة لقوله (فَكاتِبُوهُمْ) وهذا مذهب عطاء وعمرو بن دينار والضحاك وابن سيرين وداود ، وظاهر قول عمر لأنه قال لأنس حين سأل سيرين الكتابة فتلكأ أنس كاتبه ، أو لأضربنك بالدرة ، وذهب مالك وجماعة إلى أنه أمر ندب وصيغتها كاتبتك على كذا ، ويعين ما كاتبه عليه ، وظاهر الأمر يقتضي أنه لا يشترط تنجيم ولا حلول بل يكون حالا ومؤجلا ومنجما وغير منجم ، وهذا مذهب أبي حنيفة.
وقال الشافعي : لا يجوز على أقل من ثلاثة أنجم. وقال أكثر العلماء : يجوز على نجم واحد. وقال ابن خويز منداد : إذا كاتب على مال معجل كان عتقا على مال ولم تكن كتابة ، وأجاز بعض المالكية الكتابة الحالية وسماها قطاعة. والخير المال قاله ابن عباس ومجاهد وعطاء والضحاك ، أو الحيلة التي تقتضي الكسب قاله ابن عباس أيضا أو الدين قاله الحسن ، أو إقامة الصلاة قاله عبيدة السلماني ، أو الصدق والوفاء والأمانة قاله الحسن