لأنها ظرف للماضي ، وهنا جعلها معمولة ليفعل. وقال الزمخشري أيضا : ومن الأولى والثانية ، كل واحدة مستقبلة تأكيد لتعجيز شركائهم وتجهيل عبدتهم ؛ فمن الأولى للتبعيض ، والجار والمجرور خبر المبتدأ ؛ ومن يفعل هو المبتدأ ، ومن الثانية في موضع الحال من شيء ، لأنه نعت نكرة تقدم عليها فانتصب على الحال ؛ ومن الثالثة زائدة لانسحاب الاستفهام الذي معناه النفي على الكلام ، التقدير : من يفعل شيئا من ذلكم ، أي من تلك الأفعال.
وقرأ الجمهور : (يُشْرِكُونَ) ، بياء الغيبة ؛ والأعمش ، وابن وثاب : بتاء الخطاب ، والظاهر مراد ظاهر البر والبحر. وقال الحسن : وظهور الفساد فيهما بارتفاع البركات ، ونزول رزايا ، وحدوث فتن ، وتقلب عدو كافر ، وهذه الثلاثة توجد في البر والبحر. وقال ابن عباس : (الْفَسادُ فِي الْبَرِّ) ، القطاع فتسده. وقال مجاهد : (فِي الْبَرِّ) ، بقتل أحد بني آدم لأخيه ، وفي البحر : بأخذ السفن غصبا ، وعنه أيضا : البر : البلاد البعيدة من البحر ، والبحر : السواحل والجزر التي على ضفة البحر والأنهار. وقال قتادة : البر : الفيافي ومواضع القبائل وأهل الصحارى والعمور ، والبحر : المدن ، جمع بحرة ، ومنه : ولقد أجمع أهل هذه البحيرة ليتوجوه ، يعني قول سعد بن عبادة في عبد الله بن أبيّ ابن سلول ، ويؤيد هذا قراءة عكرمة. والبحور بالجمع ، ورويت عن ابن عباس ، وكان قد ظهر الفساد برا وبحرا وقت بعثة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكان الظلم عم الأرض ، فأظهر الله به الدين ، وأزال الفساد ، وأخمده صلىاللهعليهوسلم. وقال النحاس : فيه قولان ، أحدهما : ظهر الجدب في البر في البوادي وقراها والبحر ، أي في مدن البحر ، مثل : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (١) أي ظهر قلة العشب ، وغلا السعر. والثاني : ظهرت المعاصي من قطع السبيل والظلم ، فهذا هو الفساد على الحقيقة ، والأول مجاز ، وقيل : إذا قل المطر قل الغوص ، وأحنق الصياد وعميت دواب البحر. وقال ابن عباس : إذا مطرت تفتحت الأصداف في البحر ، فما وقع فيها من السماء فهو لؤلؤ.
(بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) : أي بسبب معاصيهم وذنوبهم. (لِيُذِيقَهُمْ) : أي أنه تعالى أفسد أسباب دنياهم ومحقهم ، ليذيقهم وبال بعض أعمالهم في الدنيا ، قبل أن يعاقبهم بها جميعا في الآخرة. (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) عما هم فيه. وقال ابن عطية : (بِما كَسَبَتْ) : جزاء ما كسبت ، ويجوز أن يتعلق الباء بظهر ، أي بكسبهم المعاصي في البر والبحر ، وهو
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ٨٢.