نفس الفساد الظاهر. وقرأ السلمي ، والأعرج ، وأبو حيوة ، وسلام ، وسهل ، وروح ، وابن حسان ، وقنبل من طريق ابن مجاهد ، وابن الصباح ، وأبو الفضل الواسطي عنه ، ومحبوب عن أبي عمرو : لنذيقهم ، بالنون ؛ والجمهور : بالياء ، ثم أمرهم بالمسير في الأرض ، فينظروا كيف أهلك الأمم بسبب معاصيهم وإشراكهم ، وذلك تنبيه لقريش وأمر لهم بالاعتبار بمن سلف من الأمم ، قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم. (كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ) : أهلكهم كلهم بسبب الشرك ، وقوم بسبب المعاصي ، لأنه تعالى يهلك بالمعاصي ، كما يهلك بالشرك ، كأصحاب السبت. أو أهلكهم كلهم ، المشرك والمؤمن ، كقوله تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) (١) ، وأهلكهم كلهم ، وهم كفار ، فأكثرهم مشركون ، وبعضهم معطل. وحين ذكر امتنانه قاله : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ) ، فذكر الوجود ثم البقاء بسبب الرزق. وحين ذكر خذلانهم بالطغيان ، بسبب البقاء بإظهار الفساد ، ثم بسبب الوجود بالإهلاك. (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ) : يوم القيامة ، وفيه تحذير يعم الناس ، (لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ) ، المرد : مصدر رد ، ومن الله : يحتمل أن يتعلق بيأتي ، أي من قبل أن يأتي من الله يوم لا يرده أحد حتى لا يأتي لقوله : (فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها) (٢) ، ويحتمل أن يتعلق بمحذوف يدل عليه مرد ، أي لا يرده هو بعد أن يجيء به ، ولا رد له من جهته. (يَوْمَئِذٍ) : أي يوم إذ يأتي ذلك اليوم. (يَصَّدَّعُونَ) : يتفرقون ، فريق في الجنة ، وفريق في السعير. يقال : تصدع القوم إذا تفرقوا ، ومنه الصداع ، لأنه يفرق شعب الرأس ، وقال الشاعر :
وكنا كندماني جذيمة حقبة |
|
من الدهر حتى قيل لن يتصدعا |
ثم ذكر حالتي المتفرقين : (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) : أي جزاء كفره ، وعبر عن حالة الكافر بعليه ، وهي تدل على الفعل والمشقة ، وعن حال المؤمن بقوله : (فَلِأَنْفُسِهِمْ) ، باللام التي هي لام الملك. و (يَمْهَدُونَ) : يوطئون ، وهي استعارة من الفرش ، وعبارة عن كونهم يفعلون في الدنيا ما يلقون به ، ما تقر به أعينهم وتسر به أنفسهم في الجنة. وقال مجاهد : هو التمهيد للقبر. وقال الزمخشري : وتقديم الظرف في الموضعين لدلالة على أن ضرر الكفر لا يعود إلا على الكافر لا يتعداه ، ومنفعة الإيمان والعمل الصالح ترجع إلى المؤمن لا تتجاوزه. انتهى. وهو على طريقته في دعواه أن تقديم المفعول وما جرى مجراه يدل
__________________
(١) سورة الأنفال : ٨ / ٢٥.
(٢) سورة الأنبياء : ٢١ / ٤٠.