والشمال والصبا ، وأما الدبور ، فريح العذاب ، وليس تبشيرها مقتصرا به على المطر ، بل لها تبشيرات بسبب السفن والسير بها إلى مقاصد أهلها ، وكأنه بدأ أولا بشيء عام ، وهو التبشير. وقرأ الأعمش : الريح ، مفردا ، وأراد معنى الجمع ، ولذلك قرأ : (مُبَشِّراتٍ). ثم ذكر من أعظم تباشيرها إذاقة الرحمة ، وهي نزول المطر ، ويتبعه حصول الخصب ، والريح الذي معه الهبوب ، وإزالة العفونة من الهواء ، وتذرية الحبوب ، وغير ذلك. (وَلِيُذِيقَكُمْ) : عطف على معنى (مُبَشِّراتٍ) ، فالعامل أن (يُرْسِلَ) ، ويكون عطفا على التوهم ، كأنه قيل : ليبشروكم ، والحال والصفة قد يجيئان ، وفيهما معنى التعليل. تقول : أهن زيد أسيأ وأكرم زيدا العالم ، تريد لإساءته ولعلمه. وقيل : ما يتعلق به اللام محذوف ، أي ولكنا أرسلناها. وقيل : الواو في وليذيقكم زائدة. و (بِأَمْرِهِ) : أي بأمر الله ، يعني أن جريانها ، لما كان مسندا إليها ، أخبر أنه بأمره تعالى. (مِنْ فَضْلِهِ) : مما يهيء لكم من الريح في التجارات في البحر ، ومن غنائم أهل الشرك. ثم بين لرسوله بأن ضرب له مثل من أرسل من الأنبياء ، ولما كان تعالى بين الأصلين : المبدأ والمعاد ، بين ذكر الأصل الثالث ، وهو النبوّة ؛ وفي الكلام حذف تقديره : وآمن به بعض وكذب بعض ، (فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا).
وفي قوله : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) : تبشير للرسول وأمته بالنصر والظفر ، إذ أخبر أن المؤمنين بأولئك المؤمنين نصروا ، وفي لفظ حقا مبالغة في التحتم ، وتكريم للمؤمنين ، وإظهار لفضيلة سابقة الإيمان ، حيث جعلهم مستحقين النصر والظفر. والظاهر أن (حَقًّا) خبر كان ، و (نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) الاسم ، وأخر لكون ما تعلق به فاصلة للاهتمام بالجزاء ، إذ هو محط الفائدة. وقال ابن عطية : وقف بعض القراء على حقا وجعله من الكلام المتقدم ، ثم استأنف جملة من قوله : (عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) ، وهذا قول ضعيف ، لأنه لم يدر قدر ما عرضه في نظم الآية. وقال الزمخشري : وقد يوقف على (حَقًّا) ، ومعناه : وكان الانتقام منهم حقا ، ثم يبتدأ علينا (نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) ، انتهى. وفي الوقف على (وَكانَ حَقًّا) بيان أنه لم يكن الانتقام ظلما ، بل عدلا ، لأنه لم يكن إلا بعد كون بقائهم غير مفيد إلّا زيادة الإثم وولادة الفاجر الكافر ، فكان عدمهم خيرا من وجودهم الخبيث.
(اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ) ، هذا متعلق بقوله : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ) ، والجملة التي بينهما اعتراض ، جاءت تأنيسا للرسول وتسلية ووعدا بالنصر ووعيدا لأهل الكفر ، وفي إرسالها قدرة وحكمة. أما القدرة ، فإن الهواء اللطيف الذي يسبقه