البرق بحيث يقلع الشجر ويهدم البناء ، وهو ليس بذاته يفعل ذلك ، بل بفاعل مختار. وأما الحكمة ، ففيما يفضي إليه نفس الهبوب من إثارة السحب ، وإخراج الماء منه ، وإنبات الزرع ، ودر الضرع ، واختصاصه بناس دون ناس ؛ وهذه حكمة بالغة معروفة بالمشيئة والإثارة ، تحريكها وتسييرها. والبسط : نشرها في الآفاق ، والكسف : القطع. وتقدم الكلام على قوله : (فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) ، وذكر الخلاف في (كِسَفاً) وحاله من جهة القراء. والضمير في : (مِنْ خِلالِهِ) ، الظاهر أنه عائد على السحاب ، إذ هو المحدث عنه ، وذكر الضمير لأن السحاب اسم جنس يجوز تذكيره وتأنيثه. قيل : ويحتمل أن يعود على (كِسَفاً) في قراءة من سكن العين ، والمراد بالسماء : سمت السماء ، كقوله : (وَفَرْعُها فِي السَّماءِ) (١). (فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ) : أي أرض من يشاء إصابتها ، فاجأهم الاستبشار ، ولم يتأخر سرورهم. وقال الأخفش : (مِنْ قَبْلِهِ) تأكيد لقوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ).
وقال ابن عطية : أفاد الإعلام بسرعة تقلب قلوب البشر من الإبلاس إلى الاستبشار ، وذلك أن قوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ) يحتمل الفسحة في الزمان ، أي من قبل أن ينزل بكثير ، كالأيام ونحوه ، فجاء قوله : (مِنْ قَبْلِ) بمعنى : أن ذلك متصل بالمطر ، فهو تأكيد مقيد. وقال الزمخشري : وبمعنى التوكيد ، فيه الدلالة على أن عهدهم بالمطر قد تطاول وبعد ، فاستحكم يأسهم وتمادى إبلاسهم ، فكان الاستبشار على قدر اهتمامهم بذلك. انتهى. وما ذكره ابن عطية والزمخشري من فائدة التأكيد في قوله : (مِنْ قَبْلِهِ) غير ظاهر ، وإنما هو عند ذكره لمجرد التوكيد ، ويفيد رفع المجاز فقط. وقال قطرب : التقدير : وإن كانوا من قبل التنزيل ، من قبل المطر. انتهى. وصار من قبل إنزال المطر : من قبل المطر ، وهذا تركيب لا يسوغ في كلام فصيح ، فضلا عن القرآن. وقيل : التقدير : من قبل تنزيل الغيث : من قبل أن يزرعوا ، ودل المطر على الزرع ، لأنه يخرج بسبب المطر ؛ ودل على ذلك قوله : (فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا) ، يعني الزرع. انتهى. وهذا لا يستقيم ، لأن (مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ) متعلق بقوله : (لَمُبْلِسِينَ). ولا يمكن من قبل الزرع أن يتعلق بمبلسين ، لأن حرفي جر لا يتعلقان بعامل واحد إلا إن كان بواسطة حرف العطف ، أو على جهة البدل. وليس التركيب هنا ومن قبله بحرف العطف ، ولا يصح فيه البدل ، إذ إنزال الغيث ليس هو الزرع ، ولا الزرع بعضه. وقد يتخيل فيه بدل الاشتمال بتكلف. أما لاشتمال
__________________
(١) سورة إبراهيم : ١٤ / ٢٤.