الْمُفْلِحُونَ ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ، وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ ، خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ، هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ).
هذه السورة مكية ، قال ابن عباس : إلا ثلاث آيات ، أولهنّ : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ). وقال قتادة : إلا آيتين ، أوّلهما : (وَلَوْ أَنَ) إلى آخر الآيتين ، وسبب نزولها أن قريشا سألت عن قصة لقمان مع ابنه ، وعن بر والديه ، فنزلت. وقيل : نزلت بالمدينة إلا الآيات الثلاثة : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ) إلى آخرهنّ ، لما نزل (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (١). وقول اليهود : إن الله أنزل التوراة على موسى وخلفها فينا ومعنا ، فقال الرسول : «التوراة وما فيها من الأنباء قليل في علم الله» ، فنزل : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ). ومناسبتها لما قبلها أنه قال تعالى : (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) (٢) ، فأشار إلى ذلك بقوله : (الم ، تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) ؛ وكان في آخر تلك : (وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ) (٣) ، وهنا : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً) ، وتلك إشارة إلى البعيد ، فاحتمل أن يكون ذلك لبعد غايته وعلو شأنه.
و (آياتُ الْكِتابِ) : القرآن واللوح المحفوظ. ووصف الكتاب بالحكيم ، إما لتضمنه للحكمة ، قيل : أو فعيل بمعنى المحكم ، وهذا يقل أن يكون فعيل بمعنى مفعل ، ومنه عقدت العسل فهو عقيد ، أي معقد ، ويجوز أن يكون حكيم بمعنى حاكم. وقال الزمخشري : الحكيم : ذو الحكمة ؛ أو وصف لصفة الله عزوجل على الإسناد المجازي ، ويجوز أن يكون الأصل الحكيم قابله ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، فبانقلابه مرفوعا بعد الجر استكن في الصفة المشبهة. وقرأ الجمهور : (هُدىً وَرَحْمَةً) ، بالنصب على الحال من الآيات ، والعامل فيها ما في تلك من معنى الإشارة ، قاله الزمخشري وغيره ، ويحتاج إلى نظر. وقرأ حمزة ، والأعمش ، والزعفراني ، وطلحة ، وقنبل ، من طريق أبي الفضل الواسطي : بالرفع ، خبر مبتدأ محذوف ، أو خبر بعد خبر ،
__________________
(١) سورة الإسراء : ١٧ / ٨٥.
(٢) سورة الروم : ٣٠ / ٥٨.
(٣) سورة الروم : ٣٠ / ٥٨.