ما حمل على اللفظ ، ثم على المعنى ، ثم على اللفظ ، غير هاتين الآيتين. والنحويون يذكرون (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ) الآية فقط ، ثم على المعنى ، ثم على اللفظ ، ويستدلون بها على أن هذا الحكم جار في من الموصولة ونظيرها مما لم يثن ولم يجمع من الموصولات. وتضمنت هذه الآية ذم المشتري من وجوه التولية عن الحكمة ، ثم الاستكبار ، ثم عدم الالتفات إلى سماعها ، كأنه غافل عنها ، ثم الإيغال في الإعراض بكون أذنيه كأن فيهما صمما يصده عن السماع. و (كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها) : حال من الضمير في (مُسْتَكْبِراً) ، أي مشبها حال من لم يسمعها ، لكونه لا يجعل لها بالا ولا يلتفت إليها ؛ وكأن هي المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن واجب الحذف. و (كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً) : حال من لم يسمعها. وقال الزمخشري : ويجوز أن يكونا استئنافين. انتهى ، يعني الجملتين التشبيهيتين.
ولما ذكر ما وعد به الكفار من العذاب الأليم ، ذكر ما وعد به المؤمنين. وقرأ زيد بن علي : خالدون ، بالواو ؛ والجمهور : بالياء. وانتصب (وَعْدَ اللهِ) على أنه مصدر مؤكد لنفسه ، و (حَقًّا) على المصدر المؤكد لغيره ، لأن قوله : (لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ) ، والعامل فيها متغاير ، فوعد الله منصوب ، أي يوعد الله وعده ، وحقا منصوب بأحق ذلك حقا. (خَلَقَ السَّماواتِ) إلى (فَأَنْبَتْنا فِيها) ، تقدم الكلام على ذلك. ومعنى (كَرِيمٍ) : مدحته بكرم جوهره ونفاسته وحسن منظره ، وما تقضي له النفوس بأنه أفضل من غيره حتى استحق الكرم ، فيخص لفظ الأزواج ما كان نفيسا مستحسنا من جهة ، أو مدحته بإتقان صفته وظهور حسن الرتبة والتحكم للصنع فيه ، فيعم جميع الأزواج ، وهو الأنواع. (هذا خَلْقُ اللهِ) : إشارة إلى ما ذكر من مخلوقاته ، وبخ بذلك الكفار وأظهر حجته. والخلق بمعنى المخلوق ، كقولهم : درهم ضرب الأمير ، أي مضروبه. ثم سألهم على جهة التهكم بهم أن يورده. وأما خلقته آلهتهم لما ذكر مخلوقاته ، فكيف عبدوها من دونه؟ ويجوز في ماذا أن تكون كلها موصولة بمعنى الذي ، وتكون مفعولا ثانيا لأروني. واستعمال ماذا كلها موصولا قليل ، وقد ذكره سيبويه. ويجوز أن تكون ما استفهامية في موضع رفع على الابتداء ، وذا موصولة بمعنى الذي ، وهو خبر عن ما ، والجملة في موضع نصب بأروني ، وأروني معلقة عن العمل لفظا لأجل الاستفهام. ثم أضرب عن توبيخهم وتبكيتهم إلى التسجيل عليهم بأنهم في حيرة واضحة لمن يتدبر ، لأن من عبد صنما وترك خالقه جدير بأن يكون في حيرة وتيه لا يقلع عنه.