الزمخشري : فإن قلت : القراءة بالرفع بينة ، لأن النضر كان غرضه باشتراء اللهو أن يصد الناس عن الدخول في الإسلام واستماع القرآن ويضلهم عنه ، فما معنى القراءة بالفتح؟ قلت : معنيان ، أحدهما : ليثبت على ضلاله الذي كان عليه ، ولا يصدف عنه ، ويزيد فيه ويمده بأن المخذول كان شديد الشكيمة في عداوة الدين وصد الناس عنه. والثاني : أن يوضع ليضل موضع ليضل من قبل أن من أضل كان ضالا لا محالة ، فدل بالرديف على المردوف. فإن قلت : قوله بغير علم ما معناه؟ قلت : لما جعله مشتريا لهو الحديث بالقرآن قال : يشتري بغير علم بالتجارة وبغير بصيرة بها ، حيث يستبدل الضلال بالهدى والباطل بالحق ، ونحوه قوله تعالى : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) (١) ، أي وما كانوا مهتدين للتجارة وبصراء بها. انتهى. و (سَبِيلِ اللهِ) : الإسلام أو القرآن ، قولان. قال ابن عطية : والذي يترجح أن الآية نزلت في لهو الحديث مضافا إلى الكفر ، فلذلك اشتدت ألفاظ الآية بقوله : (لِيُضِلَ) إلى آخره. وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص : (وَيَتَّخِذَها) ، بالنصب عطفا على (لِيُضِلَ) ، تشريكا في الصلة ؛ وباقي السبعة : بالرفع ، عطفا على (يَشْتَرِي) ، تشريكا في الصلة. والظاهر عود ضمير (وَيَتَّخِذَها) على السبيل ، كقوله : (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) (٢). قيل : ويحتمل أن يعود على (آياتُ الْكِتابِ). وقال تعالى : (وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً) (٣). قيل : ويحتمل أن يعود على الأحاديث ، لأن الحديث اسم جنس بمعنى الأحاديث. وقال صاحب التحرير : ويظهر لي أنه أراد بلهو الحديث : ما كانوا يظهرونه من الأحاديث في تقوية دينهم ، والأمر بالدوام عليه ، وتفسير صفة الرسول ، وأن التوراة تدل على أنه من ولد إسحاق ، يقصدون صد أتباعهم عن الإيمان ، وأطلق اسم الشراء لكونهم يأخذون على ذلك الرشا والجعائل من ملوكهم ، ويؤيده (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) : أي دينه. انتهى ، وفيه بعض حذف وتلخيص.
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ) : بدأ أولا بالحمل على اللفظ ، فأفرد في قوله : (مَنْ يَشْتَرِي) ، و (لِيُضِلَ) ، و (يَتَّخِذَها) ، ثم جمع على الضمير في قوله : (أُولئِكَ لَهُمْ) ، ثم حمل على اللفظ فأفرد في قوله : (وَإِذا تُتْلى) إلى آخره. ومن في : (مَنْ يَشْتَرِي) موصولة ، ونظيره في من الشرطية قوله : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ) (٤) ، فما بعده أفرد ثم قال : (خالِدِينَ) ، فجمع ثم قال : (قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً) (٥) ، فأفرد ، ولا نعلم جاء في القرآن
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٦.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ٤٥ ، وسورة هود : ١١ / ١٩.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ٢٣١.
(٤) سورة التغابن : ٦٤ / ٩ ـ ١١.
(٥) سورة الطلاق : ٦٥ / ١١.