الذي في البحر وما يمده ، كما قال : (لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي) (١) الآية. وقال الزمخشري : فإن قلت : زعمت أن قوله : (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ) ، حال في أحد وجهي الرفع ، وليس فيه ضمير راجع إلى ذي الحال ، قلت : هو كقوله :
وقد اغتدي والطير في وكناتها
وجئت والجيش مصطف ، وما أشبه ذلك من الأحوال التي حكمها حكم الظروف. يجوز أن يكون المعنى : وبحرها ، والضمير للأرض. انتهى. وهذا الذي جعله سؤالا وجوابا من واضح النحو الذي لا يجهله المبتدءون فيه ، وهو أن الجملة الاسمية إذا كانت حالا بالواو ، لا يحتاج إلى ضمير يربط ، واكتفى بالواو فيها. وأما قوله : وما أشبه ذلك من الأحوال التي حكمها حكم الظروف ، فليس بجيد ، لأن الظرف إذا وقع حالا ، ففي العامل فيه ضمير ينتقل إلى الظرف. والجملة الاسمية إذا كانت حالا بالواو ، فليس فيها ضمير منتقل. وأما قوله : ويجوز ، فلا يجوز إلا على رأي الكوفيين ، حيث يجعلون أل عوضا من الضمير. وقال الزمخشري : فإن قلت : لم قيل : (مِنْ شَجَرَةٍ) ، على التوحيد دون اسم الجنس الذي هو شجر؟ قلت : أريد تفصيل الشجر ونقضها شجرة شجرة ، حتى لا يبقى من جنس الشجر واحدة إلا قد بريت أقلاما. انتهى. وهذا النوع هو مما أوقع فيه المفرد موقع الجمع ، والنكرة موقع المعرفة ، ونظيره : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) (٢) ، (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ) (٣) ، (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ) (٤) ؛ وكقول العرب : هو أول فارس ، وهذا أفضل عالم ، يريد من الآيات ومن الرحمات ومن الدواب ، وأول الفرسان. أخبروا بالمفرد والنكرة ، وأرادوا به معنى الجمع المعرف بأل ، وهو مهيع في كلام العرب معروف. وكذلك يتقدر هذا من الشجرات ، أو من الأشجار. وفي هذا الكلام من المبالغة في تكثير الأقلام والمداد ما ينبغي أن يتأمل ، وذلك أن الأشجار مشتمل كل واحدة منها على الأغصان الكثيرة ، وتلك الأغصان كل غصن منها يقطع على قدر القلم ، فيبلغ عدد الأقلام في التناهي إلى ما لا يعلم به ، ولا يحيط إلا الله تعالى.
وقرأ الجمهور : (ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) ، بالألف والتاء. وقرأ زيد بن علي : كلمة الله ، على التوحيد. وقرأ الحسن : ما نفد ، بغير تاء ، كلام الله. قال أبو علي : المراد بالكلمات ، والله أعلم : ما في المعدوم دون ما خرج من العدم إلى الوجود. وقالت فرقة :
__________________
(١) سورة الكهف : ١٨ / ١٠٩.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٠٦.
(٣) سورة فاطر : ٣٥ / ٢.
(٤) سورة النحل : ١٦ / ٤٩.