(وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ) ، وفي الحج (مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ) (١) ، بزيادة هو. ولما ذكر تعالى تسخير النيرين وامتنانه بذلك علينا ، ذكر أيضا من سخر الفلك من العالم الأرضي بجامع ما اشتركا فيه من الجريان. وقرأ الجمهور : (بِنِعْمَتِ اللهِ) على الإفراد اللفظي. وقرأ الأعرج ، والأعمش ، وابن يعمر : بنعمات الله ، بكسر النون وسكون العين جمعا بالألف والتاء. وقرأ ابن أبي عبلة : بفتح النون وكسر العين بالألف والتاء والباء ، وتحتمل السببية ، أي تجري بسبب الريح وتسخير الله ، وتحتمل الحالية ، أي مصحوبة بنعمة الله ، وهي ما تحمله السفن من الطعام والأرزاق والتجارات. وقال ابن عطية : الباء للالصاق. انتهى. وقرأ موسى بن الزبير : (الْفُلْكَ) ، بضم اللام. و (صَبَّارٍ شَكُورٍ) : بنيتا مبالغة ، وفعال أبلغ لزيادة حروفه.
ولما تقدم ذكر جري الفلك في البحر ، وكأن في ذلك ما لا يخفى على راكبه من الخوف ، وتقدم ذكر النعمة ، ناسب الختم بالصبر على ما يحذر ، وبالشكر على ما أنعم به تعالى ، وشبه الموج في ارتفاعه واسوداده واضطرابه بالظلل ، وهو السحاب. وقيل : كالظلل : كالجبال ، أطلق على الجبل ظلة. وقرأ محمد بن الحنفية : كالظلال ، وهما جمع ظلة ، نحو : قلة وقلل وقلال. وقوله : (وَإِذا غَشِيَهُمْ) ، فيه التفات خرج من ضمير الخطاب في (لِيُرِيَكُمْ) إلى ضمير الغيبة في (غَشِيَهُمْ). و (مَوْجٌ) : اسم جنس يفرق بينه وبين مفرده بتاء التأنيث ، فهو يدل على الجمع ، ولذلك شبهه بالجمع.
(فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) ، قال الحسن : أي مؤمن يعرف حق الله في هذه النعم. وقال مجاهد : مقتصد على كفره : أي يسلم لله ويفهم أن نحو هذا من القدرة ، وإن ضل في الأصنام من جهة أنه يعظمها. قيل : أو مقتصد في الإخلاص الذي كان عليه في البحر. قال الزمخشري : يعني أن ذلك الإخلاص الحادث عند الخوف لا ينبغي لأحد قط. انتهى. وكثر استعمال الزمخشري قط ظرفا ، والعامل فيه غير ماض ، وهو مخالف لكلام العرب في ذلك. فقبل حذف مقابل فمنهم مؤمن مقتصد تقديره : ومنهم جاحد ودل عليه ، قوله : (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا). وعلى هذا القول يكون مقتصد معناه : مؤمن مقتصد في أقواله وأفعاله بين الخوف والرجاء ، موف بما عاهد الله عليه في البحر ، وختم هنا ببنيتي مبالغة ، وهما : (خَتَّارٍ) ، و (كَفُورٍ). فالصبار الشكور معترف بآيات الله ، والختار الكفور يجحد بها. وتوازنت هذه الكلمات لفظا ومعنى. أما لفظا فظاهر ، وأما معنى فالختار هو الغدار ، والغدر
__________________
(١) سورة الحج : ٢٢ / ٦٢.