لهم ، وأن يغنوا عنهم من الله شيئا ، فلذلك جيء به على الطريق الأوكد. ومعنى التوكيد في لفظ المولود : أن الواحد منهم لو شفع للوالد الأدنى الذي ولد منه ، لم تقبل شفاعته فضلا أن يشفع لمن فوقه من أجداده ، لأن الولد يقع على الولد ، وولد الولد بخلاف المولود ، فإنه لمن ولد منك.
(إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) : يروى أن الحارث بن عمارة المحاربي قال : يا رسول الله ، أخبرني عن الساعة متى قيامها؟ وإني لقد ألقيت حباتي في الأرض ، وقد أبطأت عني السماء ، متى تمطر؟ وأخبرني عن امرأتي ، فقد اشتملت على ما في بطنها ، أذكر أم أنثى؟ وعلمت ما علمت أمس ، فما أعمل غدا؟ وهذا مولدي قد عرفته ، فأين أموت؟ فنزلت. وفي الحديث : «خمس لا يعلمهنّ إلا الله ، وتلا هذه الآية. وعلم : مصدر أضيف إلى الساعة ، والمعنى : علم يقين ، وفيها : (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) في آياته من غير تقديم ولا تأخير. (ما فِي الْأَرْحامِ) من ذكر أم أنثى ، تام أو ناقص ، (وَما تَدْرِي نَفْسٌ) ، برة أو فاجرة. (ما ذا تَكْسِبُ غَداً) من خير أو شر ، وربما عزمت على أحدهما فعلمت ضده. (بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) : وربما أقامت بمكان ناوية أن لا تفارقه إلى أن تدفن به ، ثم تدفن في مكان لم يخطر لها ببال قط. وأسند العلم إلى الله ، والدراية للنفس ، لما في الدراية من معنى الختل والحيلة ؛ ولذا وصف الله بالعالم ، ولا يوصف بالداري. وأما قوله :
لا هم لا أدري وأنت الداري
فقول عربي جلف جاهلي ، جاهل بما يطلق على الله من الصفات ، وما يجوز منها وما يمتنع. وقرأ الجمهور : (بِأَيِّ أَرْضٍ). وقرأ موسى الأسواري ، وابن أبي عبلة : بأية أرض ، بتاء التأنيث لإضافتها إلى الموت ، وهي لغة قليلة فيهما. كما أن كلّا إذا أضيفت إلى مؤنث قد تؤنث ، تقول : كلهنّ فعلن ذلك ، وتدري معلقة في الموضعين. فالجملة من قوله : (ما ذا تَكْسِبُ) في موضع مفعول (تَدْرِي) ، ويجوز أن يكون ماذا كلها موصولا منصوبا بتدري ، كأنه قال : وما تدري نفس الشيء التي تكسب غدا. وبأي متعلق بتموت ، والباء ظرفية ، أي : في أي أرض؟ فالجملة في موضع نصب بتدري. ووقع الإخبار بأن الله استأثر بعلمه هذه الخمس ، لأنها جواب لسائل سأل ، وهو يستأثر بعلم أشياء لا يحصيها إلا هو ، وهذه الخمس.