للتصوير والتجلي للمدلول عليه ، كما قال تعالى : (وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (١). فإذا سمع بذلك ، صور لنفسه جوفا يشتمل على قلبين يسرع إلى إنكار ذلك.
(وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ) : لم يجعل تعالى الزوجة المظاهر منها أما ، لأن الأم مخدومة مخفوض لها جناح الذل ، والزوجة مستخدمة متصرف فيها بالاستفراش وغيره كالمملوك ، وهما حالتان متنافيتان. وقرأ قالون وقنبل : (اللَّائِي) هنا ، وفي المجادلة والطلاق : بالهمز من غير ياء ؛ وورش : بياء مختلسة الكسرة ؛ والبزي وأبو عمرو : بياء ساكنة بدلا من الهمزة ، وهو بدل مسموع لا مقيس ، وهي لغة قريش ؛ وباقي السبعة : بالهمز وياء بعدها. وقرأ عاصم : (تُظاهِرُونَ) بالتاء للخطاب ، وفي المجادلة : بالياء للغيبة ، مضارع ظاهر ؛ وبشد الظاء والهاء : الحرميان وأبو عمرو ؛ وبشد الظاء وألف بعدها : ابن عامر ؛ وبتخفيفها والألف : حمزة والكسائي ؛ ووافق ابن عامر الآخرين في المجادلة ؛ وباقي السبعة فيها بشدها. وقرأ ابن وثاب ، فيما نقل ابن عطية : بضم الياء وسكون الظاء وكسر الهاء ، مضارع أظهر ؛ وفيما حكى أبو بكر الرازي عنه : بتخفيف الظاء ، لحذفهم تاء المطاوعة وشد الهاء. وقرأ الحسن : تظهرون ، بضم التاء وتخفيف الظاء وشد الهاء ، مضارع ظهر ، مشدد الهاء. وقرأ هارون ، عن ابي عمرو : تظهرون ، بفتح التاء والهاء وسكون الظاء ، مضارع ظهر ، مخفف الهاء ، وفي مصحف أبي : تتظهرون ، بتاءين. فتلك تسع قراءات ، والمعنى : قال لها : أنت علي كظهر أمي. فتلك الأفعال مأخوذة من هذا اللفظ كقوله : لبى المحرم إذا قال لبيك ، وأفف إذا قال أف. وعدى الفعل بمن ، لأن الظهار كان طلاقا في الجاهلية ، فيتجنبون المظاهر منها ، كما يتجنبون المطلقة ، والمعنى : أنه تباعد منها بجهة الظهار وغيره ، أي من امرأته. لما ضمن معنى التباعد ، عدى بمن ، وكنوا عن البطن بالظهر إبعادا لما يقارب الفرج ، ولكونهم كانوا يقولون : يحرم إتيان المرأة وظهرها للسماء ، وأهل المدينة يقولون : يجيء الولد إذ ذاك أحول ، فبالغوا في التغليظ في تحريم الزوجة ، فشبهها بالظهر ، ثم بالغ فجعلها كظهر أمه. وروي أن زيد بن حارثة من كلب سبي صغيرا ، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة ، فوهبته لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وجاء أبوه وعمه بفدائه ، وذلك قبل بعثة رسول الله ، فأعتقه ، وكانوا يقولون : زيد بن محمد ، فنزلت.
(وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ) الآية : وكانوا في الجاهلية وصدر الإسلام إذا تبنى
__________________
(١) سورة الحج : ٢٢ / ٤٦.