وإنما قيل الأولى ، لأنه يقال لكل متقدم ومتقدمة أول وأولى ، وتأويله أنهم تقدموا على أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، فهم أولى ، وهم أول من أمة محمد ، عليه الصلاة والسلام. وقال عمر لابن عباس : وهل كانت الجاهلية إلا واحدة؟ فقال ابن عباس : وهل كانت الأولى إلا ولها آخرة؟ فقال عمر : لله درك يا ابن عباس.
وقال الزمخشري : والجاهلية الأخرى ما بين عيسى ومحمد ، عليهما الصلاة والسلام. ويجوز أن يكون الجاهلية الأولى جاهلية الكفر قبل الإسلام ، والجاهلية الأخرى جاهلية الفسوق والفجور في الإسلام ، فكان المعنى : ولا يجدكن بالتبرج جاهلية في الإسلام يتشبهن بها بأهل جاهلية الكفر. ويعضده ما روي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال لأبي الدرداء : «إن فيك جاهلية» ، قال : جاهلية كفر أم إسلام؟ فقال : «بل جاهلية كفر». انتهى. والمعروف في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام إنما قال : «إنك امرؤ فيك جاهلية» ، لأبي ذر ، رضياللهعنه. وقال ابن عطية : والذي يظهر عندي أنه أشار إلى الجاهلية التي يخصها ، فأمرن بالنقلة من سيرتهن فيها ، وهي ما كان قبل الشرع من سيرة الكفر ، ولأنهم كانوا لا غيرة عندهم ، وكان أمر النساء دون حجبة ، وجعلها أولى بالإضافة إلى حالة الإسلام ، وليس المعنى أن ثم جاهلية أخرى. وقد مر إطلاق اسم الجاهلية على تلك المدة التي قبل الإسلام ، فقالوا : جاهلي في الشعراء. وقال ابن عباس في البخاري : سمعت ، أي في الجاهلية إلى غير هذا. انتهى.
(وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ) : أمرهن أمرا خاصا بالصلاة والزكاة ، إذ هما عمودا الطاعة البدنية والمالية ، ثم جاء بهما في عموم الأمر بالطاعة ، ثم بين أن نهيهن وأمرهن ووعظهن إنما هو لإذهاب المأثم عنهن وتصونهن بالتقوى. واستعار الرجس للذنوب ، والطهر للتقوى ، لأن عرض المقترف للمعاصي يتدنس بها ويتلوث ، كما يتلوث بدنه بالأرجاس. وأما الطاعات ، فالعرض معها نقي مصون كالثوب الطاهر ، وفي هذه الاستعارة تنفير عما نهى الله عنه ، وترغيب فيما أمر به. والرجس يقع على الإثم ، وعلى العذاب ، وعلى النجاسة ، وعلى النقائص ، فأذهب الله جميع ذلك عن أهل البيت. وقال الحسن : الرجس هنا : الشرك. وقال السدي : الإثم. وقال ابن زيد : الشيطان. وقال الزجاج : الفسق ؛ وقيل : المعاصي كلها ، ذكره الماوردي. وقيل : الشك ؛ وقيل : البخل والطبع ؛ وقيل : الأهواء والبدع. وانتصب أهل على النداء ، أو على المدح ، أو على الاختصاص ، وهو قليل في المخاطب ، ومنه :