ولما لم يجد تمنيهم الإيمان بطاعة الله ورسوله ، ولا قام لهم عذر في تشكيهم ممن أضلهم ، دعوا على ساداتهم. (رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ) : ضعفا على ضلالهم في أنفسهم ، وضعفا على إضلال من أضلوا. وقرأ الجمهور : كثيرا بالثاء المثلثة. وقرأ حذيفة بن اليمان ، وابن عامر ، وعاصم ، والأعرج : بخلاف عنه بالباء. (كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى) ، قيل : نزلت في شأن زيد وزينب ، وما سمع فيه من قاله بعض الناس. وقيل : المراد حديث الإفك على أنه ما أوذي نبي مثل ما أوذيت. وفي حديث الرجل الذي قال لقسم قسمه رسول الله : إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله ، فغضب وقال : رحم الله أخي موسى ، لقد أوذي أكثر من هذا فصبر. وإذاية موسى قولهم : إنه أبرص وآدر ، وأنه حسد أخاه هارون وقتله. أو حديث المومسة المستأجرة لأن تقول : إن موسى زنى بها ، أو ما نسبوه إليه من السحر والجنون ، أقوال.
(مِمَّا قالُوا) : أي من وصم ما قالوا ، وما موصولة أو مصدرية. وقرأ الجمهور : (وَكانَ عِنْدَ اللهِ) : الظرف معمول لوجيها ، أي ذا وجه ومنزلة عند الله تعالى ، تميط عنه الأذى وتدفع التهم. وقرأ عبد الله ، والأعمش ، وأبو حيوة : عبد من العبودية ، لله جر بلام الجر ، وعبدا خبر كان ، ووجيها صفة له. قال ابن خالويه : صليت خلف ابن شنبوذ في شهر رمضان فسمعته يقرأ : وكان عبد الله ، على قراءة ابن مسعود. قال ابن زيد : (وَجِيهاً) : مقبولا. وقال الحسن : مستجاب الدعوة ، ما سأل شيئا إلا أعطي ، إلا الرؤية في الدنيا. وقال قطرب : رفيع القدر ؛ وقيل : وجاهته أنه كلمه ولقبه كليم الله. والسديد : تقدم شرحه في أوائل النساء. وقال ابن عباس : هنا صوابا. وقال مقاتل ، وقتادة : سديدا في شأن زيد وزينب والرسول. وقال ابن عباس ، وعكرمة أيضا : لا إله إلا الله ، وقيل : ما يوافق ظاهره باطنه ؛ وقيل : ما هو إصلاح من تسديد السهم ليصيب الغرض ؛ وقيل : السديد يعم الخيرات. ورتب على القول السديد : صلاح الأعمال وغفران الذنوب. قال الزمخشري : وهذه الآية مقررة للتي قبلها. بنيت تلك على النهي عما يؤدي به رسول الله وهذه على الأمر باتقاء الله في حفظ اللسان ، ليترادف عليهم النهي والأمر ، مع اتباع النهي ما يتضمن الوعيد من قصة موسى ، واتباع الأمر الوعد البليغ ، فيقوي الصارف عن الأذى والداعي إلى تركه. انتهى ، وهو كلام حسن.
(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ) : لما أرشد المؤمنين إلى ما أرشد من ترك الأذى واتقاء الله وسداد القول ، ورتب على الطاعة ما رتب ، بيّن أن ما كلفه الإنسان أمر عظيم ، فقال : (إِنَّا