ليس متعلقا بأفعل ، بل هو بتبيين ، لأنه لما حذف المضاف إليه أبهم لفظا فبينه بقوله : (مِنْ ذلِكَ) ، أي عنى من ذلك ، وقد جاءت من مع كون أفعل التفضيل مضافا في قول الشاعر :
تحن نفوس الورى وأعلمنا |
|
بنا يركض الجياد في السدف |
وخرج على أنه أراد علم بنا ، فأضاف ناويا طرح المضاف إليه ، فاحتملت قراءة زيد هذا التوجيه الآخر : أنه لما أضاف أصغر وأكبر على إعرابهما حالة الإضافة ، وهذا كله توجيه شذوذ ، وناسب وصفه تعالى بعالم الغيب ، وأنه لا يفوت علمه شيء من الخفيات ، فاندرج في ذلك وقت قيام الساعة ، وصار ذلك دليلا على صحة ما أقسم عليه ، لأن من كان عالما بجميع الأشياء كلها وجزئها ، وكانت قدرته ثابتة ، كان قادرا على إعادة ما فنى من جميع الأرواح والأشباح. قيل : وقوله (مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ) ، إشارة إلى علمه بالأرواح ، (وَلا فِي الْأَرْضِ) ، إشارة إلى علمه بالأشياء. وكما أبرزهما من العدم إلى الوجود أولا ، فكذلك يعيدهما ثانيا. وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف يكون بمعنى اليمين مصححة لما أنكروه؟ قلت : هذا لو اقتصر على اليمين ولم يتبعها بالحجة القاطعة ، وهو قوله : (لِيَجْزِيَ) ، فقد وضع الله في العقول وركب في الغرائز وجوب الجزاء ، وأن المحسن لا بد له من ثواب ، والمسيء لا بد له من عقاب : انتهى ، وفي السؤال بعض اختصار ، وفيه دسيسة الاعتزال. والظاهر أن قوله : (لِيَجْزِيَ) متعلق بقوله : (لا يَعْزُبُ) ، وقيل : بقوله (لَتَأْتِيَنَّكُمْ) ، وقيل : بالعامل (فِي كِتابٍ مُبِينٍ) : أي إلا مستقرا في كتاب مبين ليجزي. وقرأ الجمهور : معجزين مخففا ، وابن كثير وأبو عمرو والجحدري وأبو السماك : مثقلا وتقدّم في الحج ، أي معجزين قدرة الله في زعمهم. وقال ابن الزبير : معناه مثبطين عن الإيمان من أراده ، مدخلين عليه العجز في نشاطه ، وهذا هو سعيهم في الآيات ، أي في شأن الآيات. وقال قتادة : مسابقين يحسبون أنهم يفوتوننا. وقال عكرمة : مراغمين. وقال ابن زيد : مجاهدين في إبطالها. وقرأ ابن كثير وحفص وابن أبي عبلة : (أَلِيمٌ) هنا ، وفي الجاثية بالرفع صفة للعذاب ، وباقي السبعة بالجر صفة للرجز ، والرجز : العذاب السيء. والظاهر أن قوله : (وَالَّذِينَ سَعَوْا) مبتدأ ، والخبر في الجملة الثانية ، وهي (أُولئِكَ). وقيل : هو منصوب عطفا على (الَّذِينَ آمَنُوا) ، أي وليجزي الذين سعوا. واحتمل أن تكون الجملتان المصدرتان بأولئك هما نفس الثواب والعقاب ، واحتمل أن تكونا مستأنفتين ، والثواب والعقاب ما تضمنتا مما هو أعظم ، كرضا الله عن المؤمن دائما ، وسخطه على الفاسق دائما. قال العتبي : والظاهر أن قوله : (وَيَرَى) استئناف إخبار عمن أوتي العلم ،