يعلمون القرآن المنزل عليك هو الحق. وقيل : ويرى منصوب عطفا على ليجزي ، وقاله الطبري والثعلبي ؛ وتقدّم الخلاف في (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) في ذلك المكان الذي نزلت فيه هذه السورة. وقال الزمخشري : أي وليعلم أولو العلم عند مجيء الساعة أنه الحق علما لا يزاد عليه في الاتفاق ، ويحتجوا به على الذين كفروا وتولوا. ويجوز أن يريد : وليعلم من لم يؤمن من الأخيار أنه هو الحق ، فيزداد حسرة وغما. انتهى. وإنما قال : عند مجيء الساعة ، لأنه علق ليجزي بقوله : (لَتَأْتِيَنَّكُمْ) ، فبنى التخريج على ذلك. وقرأ الجمهور : الحق بالنصب ، مفعولا ثانيا ليرى ، وهو فصل ؛ وابن أبي عبلة : بالرفع جعل هو مبتدأ والحق خبره ، والجملة في موضع المفعول الثاني ليرى ، وهو لغة تميم ، يجعلون ما هو فصل عند غيرهم مبتدأ ، قاله أبو عمر الجرمي. والظاهر أن الفاعل ليهدي هو ضمير الذي أنزل ، وهو القرآن ، وهو استئناف إخبار. وقيل : هو في موضع الحال على إضمار ، وهو يهدي ، ويجوز أن يكون معطوفا على الحق ، عطف الفعل على الاسم ، كقوله : (صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ) (١) ، أي قابضات ، كما عطف الاسم على الفعل في قوله :
فألفيته يوما يبير عدوه |
|
وبحر عطاء يستحق المعابرا |
عطف وبحر على يبير ، وقيل : الفاعل بيهدي ضمير عائد على الله ، وفيه بعد. (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) : هم قريش ، قال بعضهم لبعض على جهة التعجب والاستهزاء ، كما يقول الرجل لمن يريد أن يعجبه : هل أدلك على قصة غريبة نادرة؟ لما كان البعث عندهم من المحال ، جعلوا من يخبر عن وقوعه في حيز من يتعجب منه ، وأتوا باسمه ، عليهالسلام ، نكرة في قوله : (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ)؟ وكان اسمه أشهر علم في قريش ، بل في الدنيا ، وإخباره بالبعث أشهر خبر ، لأنهم أخرجوا ذلك مخرج الاستهزاء والتحلي ببعض الأحاجي المعمولة للتلهي والتعمية ، فلذلك نكروا اسمه. وقرأ الجمهور : (يُنَبِّئُكُمْ) بالهمز ؛ وزيد بن علي : بإبدال الهمزة ياء محضة. وحكى عنه الزمخشري : ينبئكم ، بالهمز من أنبأ ، وإذا جوابها محذوف تقديره : تبعثون ، وحذف لدلالة ما بعده عليه ، وهو العامل إذا ، على قول الجمهور. وقال الزجاج ذلك ، وقال أيضا هو والنحاس : العامل (مُزِّقْتُمْ). قال ابن عطية : هو خطأ وإفساد للمعنى. انتهى. وليس بخطأ ولا إفساد للمعنى ، وإذا الشرطية مختلف في العامل فيها ، وقد بينا ما كتبناه في (شرح التسهيل) أن الصحيح أن يعمل فيها فعل الشرط ، كسائر أدوات الشرط. والجملة الشرطية يحتمل أن تكون معمولة لينبئكم ، لأنه في معنى يقول
__________________
(١) سورة الملك : ٦٧ / ١٩.