لكم : (إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) ، ثم أكد ذلك بقوله : (إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ). ويحتمل أن يكون : (إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) معمولا لينبئكم ، ينبئكم متعلق ، ولو لا اللام في خبر إن لكانت مفتوحة ، فالجملة سدت مسد المفعولين. والجملة الشرطية على هذا التقدير اعتراض ، وقد منع قوم التعليق في باب أعلم ، والصحيح جوازه. قال الشاعر :
حذار فقد نبئت أنك للذي |
|
ستنجزى بما تسعى فتسعد أو تشقى |
وممزق مصدر جاء على زنة اسم المفعول ، على القياس في اسم المصدر من كل فعل زائد على الثلاثة ، كقوله :
ألم تعلم مسرحي القوافي |
|
فلا عيابهن ولا اجتلابا |
أي : تسريحي القوافي. وأجاز الزمخشري أن يكون ظرف مكان ، أي إذا مزقتم في مكان من القبور وبطون الطير والسباع ، وما ذهبت به السيول كل مذهب ، وما نسفته الرياح فطرحته كل مطرح. انتهى. و (جَدِيدٍ) ، عند البصريين ، بمعنى فاعل ، تقول : جد فهو جاد وجديد ، وبمعنى مفعول عند الكوفيين من جده إذا قطعه. والظاهر أن قوله : (أَفْتَرى) من قول بعضهم لبعض ، أي هو مفتر ، (عَلَى اللهِ كَذِباً) فيما ينسب إليه من أمر البعث ، (أَمْ بِهِ) جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه. عادلوا بين الافتراء والجنون ، لأن هذا القول عندهم إنما يصدر عن أحد هذين ، لأنه إذا كان يعتقد خلاف ما أتى به فهو مفتر ، وإن كان لا يعتقده فهو مجنون. ويحتمل أن يكون من كلام السامع المجيب لمن قال : (هَلْ نَدُلُّكُمْ) ، ردد بين الشيئين ولم يجزم بأحدهما ، حيث جوز هذا وجوز هذا ، ولم يجزم بأنه افتراء محض ، احترازا من أن ينسب الكذب لعاقل نسبة قطعية ، إذ العاقل حتى الكافر لا يرضى بالكذب ، لا من نفسه ولا من غيره ، وأضرب تعالى عن مقالتهم ، والمعنى : ليس للرسول كما نسبتم البتة ، بل أنتم في عذاب النار ، أو في عذاب الدنيا بما تكابدونه من إبطال الشرع وهو بحق ، وإطفاء نور الله وهو متم.
ولما كان الكلام في البعث قال : (بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) ، فرتب العذاب على إنكار البعث ، وتقدم الكلام في وصف الضلال بالبعد ، وهو من أوصاف المحال استعير للمعنى ، ومعنى بعده : أنه لا ينقضي خبره المتلبس به. (أَفَلَمْ يَرَوْا) : أي هؤلاء الكفار الذين لا يؤمنون بالآخرة ، (إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) : أي حيث ما تصرفوا ، فالسماء والأرض قد أحاطتا بهم ، ولا يقدرون أن ينفذوا من أقطارهما ، ولا يخرجوا عن ملكوت الله