على التماثيل ، لأن النقوش تكون في الأبنية. وقدم الجفان على القدور ، لأن القدور آلة الطبخ ، والجفان آلة الأكل ، والطبخ قبل الأكل ، لما بين الأبنية الملكية. وأراد بيان عظمة السماط الذي يمد في تلك الدور ، وأشار إلى الجفان لأنها تكون فيها ، والقدور لا تكون فيها ولا تحضر هناك ، ولهذا قال : (راسِياتٍ). ولما بين حال الجفان ، سرى الذهن إلى عظمة ما يطبخ فيه ، فذكر القدور للمناسبة ، وذكر في حق داود اشتغاله بآلة الحرب لاحتياجه إلى قتال الأعداء ، وفي حق سليمان المحاريب والتماثيل ، لأنه كان ملكا ابن ملك ، قد وطد له أبوه الملك ، فكانت حاله حالة سلم ، إذ لم يكن أحد يقدر على محاربته.
وقال عقب : (أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) ، و (اعْمَلُوا صالِحاً) ، وعقب ما يعمله الجن : (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) ، إشارة إلى أن الإنسان لا يستغرق في الدنيا ولا يلتفت إلى زخارفها ، وأنه يجب أن يعمل صالحا ، (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ). وقيل : مفعول اعملوا محذوف ، أي اعملوا الطاعات وواظبوا عليها شكرا لربكم على ما أنعم به عليكم ، فقيل : انتصب شكرا على الحال ، وقيل : مفعول من أجله ، وقيل : مفعول له باعملوا ، أي اعملوا عملا هو الشكر ، كالصلاة والصيام والعبادات كلها في أنفسها هي الشكر إذا سدت مسده ، وقيل : على المصدر لتضمينه اعملوا اشكروا بالعمل لله شكرا. روي أن مصلى آل داود لم يخل قط من قائم يصلي ليلا ونهارا ، وكانوا يتناوبونه. وكان سليمان ، عليهالسلام ، يأكل الشعير ، ويطعم أهله الخشكار ، والمساكين الدرمك ، وما شبع قط ، فقيل له في ذلك ، فقال : أخاف إن شبعت أن أنس الجياع. و (الشَّكُورُ) : صيغة مبالغة ، وأريد به الجنس. قال ابن عباس : الشكور : من يشكر على أحواله كلها. وقال السدي : من يشكر على الشكر. وقيل : من يرى عجزه عن الشكر ، وهذه الجملة تحتمل أن تكون خطابا لآل داود ، وهو الظاهر ، وأن تكون خطابا للرسول صلىاللهعليهوسلم ، وفيها تنبيه وتحريض على الشكر.
(فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ) : أي أنفذنا عليه ما قضينا عليه في الأزل من الموت ، وأخرجناه إلى حيز الوجود. وجواب لما النفي الموجب ، وهذا يدل على أن لما حرف لا ظرف ، خلافا لمن زعم ذلك ، لأنه لو كان ظرفا لكان الجواب هو العامل وما دخلت عليه ، وهي نافية ، ولا يعمل ما قبلها فيما بعدها ، وقد مضى لنا نظير هذا في يوسف في قوله : (وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) (١).
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ٦٨.