شفاعتهم ، أي لا يقع من معبوداتهم شفاعة أصلا. ولأن عابديهم كفار ، فإن كان المعبودون أصناما أو كفارا ، كفرعون ، فسلب الشفاعة عنهم ظاهر ، وإن كانوا ملائكة أو غيرهم ممن عبد ، كعيسى عليهالسلام ، فشفاعتهم إذا وجدت تكون لمؤمن. و (إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) : استثناء مفرغ ، فالمستثنى منه محذوف تقديره : ولا تنفع الشفاعة لأحد (إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ). واحتمل قوله لأحد أن يكون مشفوعا له ، وهو الظاهر ، فيكون قوله : (إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) ، أي المشفوع ، أذن لأجله أن يشفع فيه ؛ والشافع ليس بمذكور ، وإنما دل عليه المعنى. واحتمل أن يكون شافعا ، فيكون قوله : (إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) بمعنى : إلا لشافع أذن له أن يشفع ، والمشفوع ليس بمذكور ، إنما دل عليه المعنى. وعلى هذا الاحتمال تكون اللام في (أَذِنَ لَهُ) لام التبليغ ، لا لام العلة. وقال الزمخشري : يقول : الشفاعة لزيد على معنى أنه الشافع ، كما يقول : الكرم لزيد ، وعلى معنى أنه المشفوع له ، كما تقول : القيام لزيد ، فاحتمل قوله : (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) أن يكون على أحد هذين الوجهين ، أي لا تنفع الشفاعة إلا كائنة لمن أذن له من الشافعين ومطلقة له ، أو لا تنفع الشفاعة إلا كائنة لمن أذن له ، أي لشفيعه ، أو هي اللام الثانية في قولك : أذن لزيد لعمرو ، أي لأجله ، وكأنه قيل : إلا لمن وقع الإذن للشفيع لأجله ، وهذا وجه لطيف ، وهو الوجه ، وهذا تكذيب لقولهم : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) (١). انتهى. فجعل (إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) استثناء مفرغا من الأحوال ، ولذلك قدره : إلا كائنة ، وعلى ما قررناه استثناء من الذوات.
وقال أبو عبد الله الرازي : المذاهب المفضية إلى الشرك أربعة : قائل : إن الله خلق السموات وجعل الأرض والأرضيات في حكمها ، ونحن من جملة الأرضيات ، فنعبد الكواكب والملائكة السماوية ، وهم إلهنا ، والله إلههم ، فأبطل بقوله : (لا يَمْلِكُونَ) ، (فِي السَّماواتِ) ، كما اعترفتم ، (وَلا فِي الْأَرْضِ) ، خلاف ما زعمتم. وقائل : السموات من الله استبدادا ، والأرضيات منه بواسطة الكواكب ، فإنه تعالى خلق العناصر والتركيبات التي فيها بالاتصالات وحركات وطوالع ، فجعلوا مع الله شركاء في الأرض ، والأولون جعلوا الأرض لغيره ، فأبطل بقوله : (وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ) ، أي الأرض ، كالسماء لله لا لغيره ، ولا لغيره فيهما نصيب. وقائل : التركيبات والحوادث من الله ، لكن فوض إلى الكواكب ، وفعل المأذون ينسب إلى الآذن ، ويسلب عن المأذون له فيه ، جعلوا السموات
__________________
(١) سورة يونس : ١٠ / ١٨.