معينة لله ، فأبطل بقوله : (وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ) وقائل : نعبد الأصنام التي هي صور الملائكة ليشفعوا لنا ، فأبطل بقوله : (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ) ، الجملة ، وأل في الشفاعة الظاهر أنها للعموم ، أي شفاعة جميع الخلق. وقيل : للعهد ، أي شفاعة الملائكة التي زعموها شركاء وشفعاء. انتهى ، وفيه بعض تلخيص. وقال أبو البقاء : اللام في (لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) يجوز أن تتعلق بالشفاعة ، لأنك تقول : أشفعت له ، وأنت تعلق بتنفع. انتهى ، وهذا فيه قلة ، لأن المفعول متأخر ، فدخول اللام عليه قليل. وقرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي : أذن بضم الهمزة ؛ وباقي السبعة : بفتحها ، أي أذن الله له. والظاهر أن الضمير في قوله : (قُلُوبِهِمْ) عائد على ما عادت عليه الضمائر التي للغيبة في قوله : (لا يَمْلِكُونَ) ، وفي (ما لَهُمْ) ، و (ما لَهُ مِنْهُمْ) ، وهم الملائكة الذين دعوهم آلهة وشفعاء ، ويكون التقدير : إلا لمن أذن له منهم.
و (حَتَّى) : تدل على الغاية ، وليس في الكلام عائد على أن حتى غاية له. فقال ابن عطية : في الكلام حذف يدل عليه الظاهر ، كأنه قال : ولا هم شفعاء كما تحبون أنتم ، بل هم عبدة أو مسلمون أبدا ، يعني منقادون ، (حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ). قال : وتظاهرت الأحاديث عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أن قوله : (حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ) ، إنما هي في الملائكة إذا سمعت الوحي ، أي جبريل ، وبالأمر يأمر الله به سمعت ، كجر سلسلة الحديد على الصفوان ، فتفزع عند ذلك تعظيما وهيبة. وقيل : خوف أن تقوم الساعة ، فإذا فزع ذلك عن قلوبهم ، أي أطير الفزع عنها وكشف ، يقول بعضهم لبعض ولجبريل : (ما ذا قالَ رَبُّكُمْ)؟ فيقول المسؤلون : قال (الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) ، وبهذا المعنى من ذكر الملائكة في صدر الآيات تتسق هذه الآية على الأولى ، ومن لم يشعر أن الملائكة مشار إليهم من أول قوله : (الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) لم تتصل له هذه الآية بما قبلها ، فلذلك اضطرب المفسرون في تفسيرها حتى قال بعضهم في الكفار ، بعد حلول الموت : ففزع عن قلوبهم بفقد الحياة ، فرأوا الحقيقة ، وزال فزعهم مما يقال لهم في حياتهم ، فيقال لهم حينئذ : (ما ذا قالَ رَبُّكُمْ)؟ فيقولون : قال الحق ، يقرون حين لا ينفعهم الإقرار. وقالت فرقة : الآية في جميع العالم. وقوله : (حَتَّى) ، يريد في الآخرة ، والتأويل الأول في الملائكة هو الصحيح ، وهو الذي تظاهرت به الأحاديث ، وهذا بعيد. انتهى. وإذا كان الضمير في (عَنْ قُلُوبِهِمْ) لا يعود على (الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) ، كان عائدا على من عاد عليه الضمير في قوله : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ) ، ويكون الضمير في (عَلَيْهِمْ) عائدا على جميع