الكفار ، ويكون حتى غاية لقوله : (فَاتَّبَعُوهُ) ، ويكون التفزيع حالة مفارقة الحياة ، أو يجعل اتباعهم إياه مستصحبا لهم إلى يوم القيامة مجازا.
والجملة بعد من قوله : (قُلِ ادْعُوا) اعتراضية بين المغيا والغاية. قال ابن زيد : أقروا بالله حين لا ينفعهم الإقرار ، فالمعنى : فزع الشيطان عن قلوبهم وفارقهم ما كان يطلبهم به ، (قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ). وقال الحسن : وإنما يقال للمشركين (ما ذا قالَ رَبُّكُمْ) على لسان الأنبياء ، فأقروا حين لا ينفع. وقيل : (حَتَّى) غاية متعلقة بقوله : (زَعَمْتُمْ) ، أي زعمتم الكفر إلى غاية التفزيع ، ثم تركتم ما زعمتم وقلتم : قال الحق. انتهى. فيكون في الكلام التفاوت من خطاب في (زَعَمْتُمْ) إلى غيبة في (فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ). وعن ابن عباس : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال : فإذا أذن فزع ودام فزعه حتى إذا أزيل التفزيع عن قلوبهم. قال بعض الشافعين من الملائكة لبعض الملائكة : (ما ذا قالَ رَبُّكُمْ) في قبول شفاعتنا؟ فيجيب بعضهم لبعض : قال أي الله الحق ، أي القول الحق ، وهو قبول شفاعتهم ، إذ كان تعالى أذن لهم في ذلك ، ولا يأذن إلا وهو مريد لقبول الشفاعة. وقال الزمخشري : فإن قلت بم اتصل قوله : (حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ)؟ ولا شيء وقعت حتى غاية له. قلت : بما فهم من هذا الكلام من أن ثم انتظار الإذن وتوقفا وتمهلا وفزعا من الراجين للشفاعة والشفعاء ، هل يؤذن لهم أو لا يؤذن؟ وأنه لا يطلق الإذن إلا بعد ملي من الزمان وطول من التربص. ومثل هذه الحال دل عليه قوله ، عز من قائل : (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً ، يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) (١) ، كأنه قيل : يتربصون ويتوقفون مليا فزعين وهلين.
(حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ) : أي كشف الفزع من قلوب الشافعين والمشفوع لهم بكلمة يتكلم بها رب العزة في إطلاق الإذن. تباشروا بذلك وسأل بعضهم بعضا : (ما ذا قالَ رَبُّكُمْ)؟ قال الحق ، أي القول الحق ، وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى. انتهى. وتلخص من هذا أن حتى غائية إما لمنطوق وهو زعمتم ، ويكون الضمير في (عَنْ قُلُوبِهِمْ) التفاتا ، وهو للكفار ، أو هو فاتبعوه ، وفيه تناسق الضمائر لغائب. والفصل بالاعتراض والضمير أيضا للكفار ، والضمير في (قالُوا) للملائكة ، وضمير الخطاب في (رَبُّكُمْ) ، والغائب في (قالُوا) الثانية للكفار. وأما لمحذوف ، فما قدره ابن عطية لا يصح أن يغيا ،
__________________
(١) سورة النبأ : ٧٨ / ٣٧ ـ ٣٨.