لأن ما بعد الغاية مخالف لما قبلها ، وهم عبدة منقادون دائما لا ينفكون عن ذلك ، لا إذا فزع عن قلوبهم ، ولا إذا لم يفزع ، وحمل ذلك على الملائكة حال الوحي لا يناسب الآية ، وكون النبي صلىاللهعليهوسلم ، في قصة الوحي قال : «فإذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم» ، لا يدل على أن هذه الآية في الملائكة حالة تكلم الله بالوحي. والحديث رواه ابن مسعود عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، قال : «إذا تكلم الله عزوجل بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا ، فيصعقون ، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل عليهالسلام ، فإذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم ، فيقولون : يا جبريل ماذا قال ربك؟ قال فيقول الحق ، فينادون الحق». وما قدره الزمخشري يحتمل ، إلا أن فيه تخصيص الذين زعمتم من دونه بالملائكة ، والذين عبدوهم ملائكة وغيرهم. وتخصيص من أذن له بالملائكة أيضا ، والمأذون لهم في الشفاعة الملائكة وغيرهم. ألا ترى إلى ما حكى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، في «الشفاعة في قوله عزوجل؟» (١).
وقرئ : فزع مشددا ، من الفزع ، مبنيا للمفعول ، أي أطير الفزع عن قلوبهم. وفعل تأتي لمعان منها : الإزالة ، وهذا منه نحوه : قردت البعير ، أي أزلت القراد عنه. وقرأ ابن مسعود ، وابن عباس ، وطلحة ، وأبو المتوكل الناجي ، وابن السميفع ، وابن عامر : مبنيا للفاعل من الفزع أيضا ، والضمير الفاعل في فزع إن كان الضمير في عن قلوبهم للملائكة ، فهو الله ، وإن كان للكفار ، فالضمير لمغويهم. وقرأ الحسن : (فُزِّعَ) من الفزع ، بتخفيف الزاي ، مبنيا للمفعول ، و (عَنْ قُلُوبِهِمْ) في موضع رفع به ، كقولك : انطلق يزيد. وقرأ الحسن أيضا ، وأبو المتوكل أيضا ، وقتادة ، ومجاهد : فزع مشددا ، مبنيا للفاعل من الفزع. وقرأ الحسن أيضا : كذلك ، إلا أنه خفف الزاء. وقرأ عبد الله بن عمر ، والحسن أيضا ، وأيوب السختياني ، وقتادة أيضا ، وأبو مجلز : فرغ من الفراغ ، مشدد الراء ، مبنيا للمفعول. وقرأ ابن مسعود ، وعيسى افرنقع : عن قلوبهم ، بمعنى انكشف عنها ، وقيل : تفرق. وقال الزمخشري : والكلمة مركبة من حروف المفارقة مع زيادة العين ، كما ركب قمطر من حروف القمط مع زيادة الراء. انتهى. فإن عنى الزمخشري أن العين من حروف الزيادة ، وكذلك الراء ، وهو ظاهر كلامه ، فليس بصحيح ، لأن العين والراء ليستا من حروف الزيادة. وإن عنى أن الكلمة فيها حروف ، وما ذكروا زائدا إلى ذلك العين والراء كمادة فرقع وقمطر ، فهو صحيح لو لا إيهام ما قاله الزمخشري في هذه الكلمة ، لم أذكر هذه القراءة لمخالفتها
__________________
(١) بياض بجميع الأصول.