سواد المصحف. وقالوا أيضا في قوله تعالى : (حَتَّى إِذا فُزِّعَ) أقوالا غير ما سبق. قال كعب : إذا تكلم الله عزوجل بلا كيف ضربت الملائكة بأجنحتها وخرت فزعا ، قالوا فيما بينم : (ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَ). وقيل : إذا دعاهم إسرافيل من قبورهم ، قالوا مجيبين ماذا ، وهو من الفزع الذي هو الدعاء والاستصراخ ، كما قاله زهير :
إذا فزعوا طاروا إلى مستغيثهم |
|
طوال الرماح لا ضعاف ولا عزل |
وقيل : هو فزع ملائكة أدنى السموات عند نزول المدبرات إلى الأرض. وقيل : لما كانت الفترة بين عيسى ومحمد صلىاللهعليهوسلم ، وبعث الله محمدا ، أنزل الله جبريل بالوحي ، فظنت الملائكة أنه قد نزل بشيء من أمر الساعة ، وصعقوا لذلك ، فجعل جبريل يمر بكل سماء ويكشف عنهم الفزع ويخبرهم أنه الوحي ، قاله قتادة ومقاتل وابن السائب. وقيل : الملائكة المعقبات الذين يختلفون إلى أهل الأرض ، ويكتبون أعمالهم إذا أرسلهم الله فانحدروا ، سمع لهم صوت شديد ، فيحسب الذين هم أسفل منهم من الملائكة أنه من أمر الساعة ، فيخرون سجدا يصعقون ، رواه الضحاك عن ابن مسعود.
وهذه الأقوال والتي قبلها لا تكاد تلائم ألفاظ القرآن ، فالله أسأل أن يرزقنا فهم كتابه ، وأقربها عندي أن يكون الضمير في (قُلُوبِهِمْ) عائدا على من عاد عليه اتبعوه وعليهم ، وممن هو منها في شك ، وتكون الجملة بعد ذلك اعتراضا. وقوله : (قالُوا) ، أي الملائكة ، لأولئك المتبعين الشاكين يسألونهم سؤال توبيخ : (ما ذا قالَ رَبُّكُمْ) ، على لسان من بعث إليكم بعد أن كشف الغطاء عن قلوبهم ، فيقرون إذ ذاك أن الذي قاله ، وجاءت به أنبياؤه ، وهو الحق ، لا الباطل الذي كنا فيه من اتباع إبليس. وشكنا في البعث ماذا يحتمل أن تكون ما منصوبة بقال ، أي أي شيء قال ربكم ، وأن يكون في موضع رفع على أن ذا موصولة ، أي ما الذي قال ربكم ، وذا خبره ، ومعمول قال ضمير محذوف عائد على الموصول. وقرأ ابن أبي عبلة : قالوا الحق ، برفع الحق ، خبر مبتدأ ، أي مقوله الحق ، (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) ، تنزيه منهم له تعالى وتمجيد. ثم رجع إلى خطاب الكفار فسألهم عمن يرزقهم ، محتجا عليهم بأن رازقهم هو الله ، إذ لا يمكن أن يقولوا إن آلهتهم ترزقهم وتسألهم أنهم (لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) ، وأمره بأن يتولى الإجابة والإقرار عنهم بقوله : (قُلِ اللهُ) ، لأنهم قد لا يجيبون حبا في العناد وإيثارا للشرك. ومعلوم أنه لا جواب لم ولا لأحد إلا بأن يقول هو الله. (وَإِنَّا) : أي الموحدين الرازق العابدين ، (أَوْ إِيَّاكُمْ) : المشركين العابدين الأصنام والجمادات. (لَعَلى هُدىً) : أي