سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ) (١). وقال قتادة : ما أنزل الله على العرب كتابا قبل القرآن ، ولا بعث إليهم نبيا قبل محمد صلىاللهعليهوسلم. والمعنى : من أين كذبوا ، ولم يأتهم كتاب ، ولا نذير بذلك؟ وقيل : وصفهم بأنهم قوم آمنون ، أهل جاهلية ، ولا ملة لهم ، وليس لهم عهد بإنزال الكتاب ولا بعثة رسول. كما قال : (أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ) (٢) ، فليس لتكذيبهم وجه مثبت ، ولا شبهة تعلق. كما يقول أهل الكتاب ، وإن كانوا مبطلين : نحن أهل الكتاب والشرائع ، ومستندون إلى رسل من رسل الله. وقيل : المعنى أنهم يقولون بآرائهم في كتاب الله ، يقول بعضهم سحر ، وبعضهم افتراء ، ولا يستندون فيه إلى أثارة من علم ، ولا إلى خبر من يقبل خبره. فإنا آتيناهم كتبا يدرسونها ، ولا أرسلنا إليهم رسولا ولا نذيرا فيمكنهم أن يدعوا ، إن أقوالهم تستند إلى أمره.
وقرأ الجمهور : (يَدْرُسُونَها) ، مضارع درس مخففا ؛ وأبو حيوة : بفتح الدال وشدها وكسر الراء ، مضارع ادّرس ، افتعل من الدرس ، ومعناه : تتدارسونها. وعن أبي حيوة أيضا : يدرسونها ، من التدريس ، وهو تكرير الدرس ، أو من درس الكتاب مخففا ، ودرّس الكتاب مشددا التضعيف باعتبار الجمع. ومعنى (قَبْلَكَ) ، قال ابن عطية : أي وما أرسلنا من نذير يشافههم بشيء ، ولا يباشر أهل عصرهم ، ولا من قرب من آبائهم. وقد كانت النذارة في العالم ، وفي العرب مع شعيب وصالح وهود. ودعوة الله وتوحيده قائم لم تخل الأرض من داع إليه ، وإنما المعنى : من نذير يختص بهؤلاء الذين بقيت إليهم ، وقد كان عند العرب كثير من نذارة إسماعيل ، والله تعالى يقول : (إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا) (٣) ، ولكن لم يتجرد للنذارة ، وقاتل عليها ، إلا محمد صلىاللهعليهوسلم. انتهى.
(وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : توعد لهم ممن تقدمهم من الأمم ، وما آل إليه أمرهم ، وتسلية لرسوله بأن عادتهم في التكذيب عادة الأمم السابقة ، وسيحل بهم ما حل بأولئك. وأن الضميرين في : (بَلَغُوا) وفي : (ما آتَيْناهُمْ) عائدان على (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، ليتناسقا مع قوله تعالى : (فَكَذَّبُوا) ، أي ما بلغوا في شكر النعمة وجزاء المنة معشار ما آتيناهم من النعم والإحسان إليهم. وقال ابن عباس ، وقتادة ، وابن زيد : الضمير في (بَلَغُوا) لقريش ، وفي (ما آتَيْناهُمْ) للأمم (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ). والمعنى : وما بلغ هؤلاء بعض ما آتينا أولئك من طول الأعمار وقوة الأجسام وكثرة الأموال ، وحيث كذبوا رسلي
__________________
(١) سورة الروم : ٣٠ / ٣٥.
(٢) سورة الزخرف : ٤٣ / ٢١.
(٣) سورة مريم : ١٩ / ٥٤.