جاءهم إنكاري بالتدمير والاستئصال ، ولم يغن عنهم ما كانوا فيه من القوة ، فكيف حال هؤلاء إذا جاءهم العذاب والهلاك؟ وقيل : الضمير في (بَلَغُوا) عائد على (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، وفي (آتَيْناهُمْ) على قريش ، وما بلغ الأمم المتقدمة معشار ما آتينا قريشا من الآيات والبينات والنور الذي جئتهم به. وأورد ابن عطية هذه الأقوال احتمالات ، والزمخشري ذكر الثاني ، وأبو عبد الله الرازي اختار الثالث ، قال : أي (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ما بلغوا معشار ما آتينا قوم محمد من البرهان ، وذلك لأن كتاب محمد ، عليهالسلام ، أكمل من سائر الكتب وأوضح ، ومحمد ، عليهالسلام ، أفضل من جميع الرسل وأفصح ، وبرهانه أوفى ، وبيانه أشفى ، ويؤيد ما ذكرنا ، (وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها) تغني عن القرآن. فلما كان المؤتى في الآية الأولى هو الكتاب ، حمل الإيتاء في الآية الثانية على إيتاء الكتاب ، وكان أولى. انتهى.
وعن ابن عباس : فليس أنه أعلم من أمّته ، ولا كتاب أبين من كتابه. والمعشار مفعال من العشر ، ولم يبن على هذا الوزن من ألفاظ العدد غيره وغير المرباع ، ومعناهما : العشر والربع. وقال قوم : المعشار عشر العشر. قال ابن عطية : وهذا ليس بشيء. انتهى. وقيل : والعشر في هذا القول عشر المعشرات ، فيكون جزءا من ألف جزء. قال الماوردي : وهو الأظهر ، لأن المراد به المبالغة في التقليل. وقال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى (فَكَذَّبُوا رُسُلِي) ، وهو مستغنى عنه بقوله (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)؟ قلت : لما كان معنى قوله : (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، وفعل الذين من قبلهم التكذيب ، وأقدموا عليه ، جعل تكذيب الرسل مسببا عنه ، ونظيره أن يقول القائل : أقدم فلان على الكفر ، فكفر بمحمد صلىاللهعليهوسلم. ويجوز أن ينعطف على قوله : (ما بَلَغُوا) ، كقولك : ما بلغ زيد معشار فضل عمرو ، فيفضل عليه. (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) : للمكذبين الأوّلين ، فليحذروا من مثله. انتهى. وفكيف : تعظيم للأمر ، وليست استفهاما مجردا ، وفيه تهديد لقريش ، أي أنهم معرضون لنكير مثله ، والنكير مصدر كالإنكار ، وهو من المصادر التي جاءت على وزن فعيل ، والفعل على وزن أفعل ، كالنذير والعذير من أنذر وأعذر ، وحذفت إلى من نكير تخفيفا لأنها أجزأته.
(قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ) ، قال : هي طاعة الله وتوحيده. وقال السدي : هي لا إله إلّا الله. قال قتادة : هي أن تقوموا. قال أبو علي : (أَنْ تَقُومُوا) في موضع خفض على البدل من واحدة. وقال الزمخشري : (بِواحِدَةٍ) : بخصلة واحدة ، وهو فسرها بقوله : (أَنْ تَقُومُوا) على أن عطف بيان لها. انتهى. وهذا لا يجوز ، لأن بواحدة نكرة ، وأن تقوموا