نسبه إلى ذلك فهو مفتر كاذب. والظاهر أن ما للنفي ، كما شرحنا. وقيل : ما استفهام ، وهو استفهام لا يراد به حقيقته ، بل يؤول معناه إلى النفي ، التقدير : أي شيء بصاحبكم من الجنون ، أي ليس به شيء من ذلك. ولما نفى تعالى عنه الجنة أثبت أنه (نَذِيرٌ) ، (بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) : أي هو متقدم في الزمان على العذاب الذي توعدوا به ، وبين يدي يشعر بقرب العذاب.
(قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ) الآية : في التبري من طلب الدنيا ، وطلب الأجر على النور الذي أتى به ، والتوكل على الله فيه. واحتملت ما أن تكون موصولة مبتدأ ، والعائد من الصلة محذوف تقديره : سألتكموه ، و (فَهُوَ لَكُمْ) الخبر. ودخلت الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط ، واحتملت أن تكون شرطية مفعولة بسألتكم ، وفهو لكم جملة هي جواب الشرط. وقوله : (ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ) على معنيين : أحدهما : نفي مسألة للأجر ، كما يقول الرجل لصاحبه : إن أعطيتني شيئا فخذه ، وهو يعلم أنه لم يعطه شيئا ، ولكنه أراد البت لتعليقه الأخذ بما لم يمكن ، ويؤيده (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ). والثاني : أن يريد بالأجر ما في قوله : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) (١) ، وفي قوله : (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٢) ، لأن اتخاذ السبيل إلى الله نصيبهم ما فيه نفعهم ، وكذلك المودة في القرابة ، لأن القرابة قد انتظمت وإياهم ، قاله الزمخشري ، وفيه بعض زيادة. قال ابن عباس : الأجر : المودة في القربى. وقال قتادة : (فَهُوَ لَكُمْ) ، أي ثمرته وثوابه ، لأني سألتكم صلة الرحم. وقال مقاتل : تركته لكم. (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) : مطلع حافظ ، يعلم أني لا أطلب أجرا على نصحكم ودعائكم إليه إلا منه ، ولا أطمع منكم في شيء.
والقذف : الرمي بدفع واعتماد ، ويستعار لمعنى الإلقاء لقوله : (فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِ) (٣) ، (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) (٤). قال قتادة : (يَقْذِفُ بِالْحَقِ) : يبين الحجة ويظهرها. وقال ابن القشيري : يبين الحجة بحيث لا اعتراض عليها ، لأنه (عَلَّامُ الْغُيُوبِ) ، وأنا مستمسك بما يقذف إليّ من الحق. وأصل القذف : الرمي بالسهم ، أو الحصا والكلام. وقال ابن عباس : يقذف الباطل بالحق ، والظاهر أن بالحق هو المفعول ، فالحق هو المقذوف محذوفا ، أي يقذف ، أي يلقي ما يلقي إلى أنبيائه من الوحي والشرع
__________________
(١) سورة الفرقان : ٢٥ / ٥٧.
(٢) سورة الشورى : ٤٢ / ٢٣.
(٣) سورة طه : ٢٠ / ٣٩.
(٤) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٢٦.