وهو مما يضعف ، والمعنى أنهم لمعرفتهم أنه ليس معه إلا الحق المرّ والعدل البحت يزورون عن المحاكمة إليك إذا ركبهم الحق لئلا تنزعه منهم بقضائك عليهم لخصومهم ، وإن ثبت لهم الحق على خصم أسرع إليك كلهم ولم يرضوا إلا بحكومتك.
(أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَمِ) هنا منقطعة والتقدير : بل ارتابوا بل أيخافون وهو استفهام توقيف وتوبيخ ، ليقروا بأحد هذه الوجوه التي عليهم في الإقرار بها ما عليهم ، وهذا التوقيف يستعمل في الأمور الظاهرة مما يوبخ به ويذم ، أو مما يمدح به وهو بليغ جدا فمن المبالغة في الذم. قول الشاعر :
ألست من القوم الذين تعاهدوا |
|
على اللؤم والفحشاء في سالف الدهر |
ومن المبالغة في المدح. قول جرير :
ألستم خير من ركب المطايا |
|
وأندى العالمين بطون راح |
وقسم تعالى جهات صدودهم عن حكومته فقال (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي نفاق وعدم إخلاص (أَمِ ارْتابُوا) أي عرضت لهم الريبة والشك في نبوته بعد أن كانوا مخلصين (أَمْ يَخافُونَ) أي يعرض لهم الخوف من الحيف في الحكومة ، فيكون ذلك ظلما لهم. ثم استدرك ببل أنهم (هُمُ الظَّالِمُونَ).
وقرأ عليّ وابن أبي إسحاق والحسن (إِنَّما كانَ قَوْلَ) بالرفع والجمهور بالنصب. قال الزمخشري : والنصب أقوى لأن أولى الاسمين بكونه اسما لكان أو غلهما في التعريف و (أَنْ يَقُولُوا) أو غل لأنه لا سبيل عليه للتنكير بخلاف قول المؤمنين. وكان هذا من قبيل كان في قوله (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ) (١) (ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا) (٢) انتهى. ونص سيبويه على أن اسم كان وخبرها إذا كانتا معرفتين فأنت بالخيار في جعل ما شئت منهما الاسم والآخر الخبر من غير اعتبار شرط في ذلك ولا اختيار.
وقرأ أبو جعفر والجحدري وخالد بن الياس (لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) مبنيا للمفعول ، والمفعول الذي لم يسم فاعله هو ضمير المصدر أي (لِيَحْكُمَ) هو أي الحكم ، والمعنى ليفعل الحكم (بَيْنَهُمْ) ومثله قولهم : جمع بينهما وألف بينهما وقوله تعالى (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ) (٣). قال الزمخشري : ومثله (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) (٤) فيمن قرأ بينكم منصوبا أي
__________________
(١) سورة مريم : ١٩ / ٣٥.
(٢) سورة النور : ٢٤ / ١٦.
(٣) سورة سبأ : ٣٤ / ٥٤.
(٤) سورة الأنعام : ٦ / ٩٤.