إلى بيته فلم يجد فيه شيئا ذهب بهم إلى بيوت قراباته فتحرج أهل الأعذار من ذلك فنزلت. وقيل : كانت العرب ومن بالمدينة قبل البعث تجتنب الأكل مع أهل هذه الأعذار فبعضهم تقذرا لمكان جولان يد الأعمى ، ولانبساط الجلسة مع الأعرج ، ولرائحة المريض وهي أخلاق جاهلية وكبر. فنزلت واستبعد هذا لأنه لو كان هذا السبب لكان التركيب ليس عليكم حرج أن تأكلوا معهم ولم يكن (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) وأجاب بعضهم : بأن (عَلَى) في معنى أي في مواكلة الأعمى وهذا بعيد جدا. وفي كتاب الزهراوي عن ابن عباس أن أهل هذه الأعذار تحرجوا في الأكل مع الناس من أجل عذرهم فنزلت. وعلى هذه الأقوال كلها يكون نفي الحرج عن أهل العذر ومن بعدهم في المطاعم. وقال الحسن وعبد الرحمن بن زيد الحرج المنفي عن أهل العذر هو في القعود عن الجهاد وغيره مما رخص لهم فيه ، والحرج المنفي عمن بعدهم في الأكل مما ذكر وهو مقطوع مما قبله إذ متعلق الحرجين مختلف. وإن كان قد اجتمعا في انتفاء الحرج. وهذا القول هو الظاهر. ولم يذكر بيوت الأولاد اكتفاء بذكر بيوتكم لأن ولد الرجل بعضه وحكمه حكم نفسه ، وبيته بيته. وفي الحديث «إن أطيب ما يأكل المرء من كسبه وإن ولده من كسبه».
ومعنى (مِنْ بُيُوتِكُمْ). من البيوت التي فيها أزواجكم وعيالكم ، والولد أقرب من عدد من القرابات فإذا كان سبب الرخصة هو القرابة كان الذي هو أقرب منهم أولى. وقرأ طلحة إمهاتكم بكسر الهمزة. (أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ). قال ابن عباس : هو وكيل الرجل أن يتناول من التمر ويشرب من اللبن. وقال قتادة : العبد لأن ماله لك. وقال مجاهد والضحاك : خزائن بيوتكم إذا ملكتم مفاتيحها. وقال ابن جرير : الزمنى ملكوا التصرف في البيوت التي سلمت إليهم مفاتيحها. وقيل : ولي اليتيم يتناول من ماله بقدر ما قال تعالى (وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) (١) ومفاتحه بيده.
وقرأ الجمهور (مَلَكْتُمْ) بفتح الميم واللام خفيفة. وقرأ ابن جبير بضم الميم وكسر اللام مشددة ، والجمهور (مَفاتِحَهُ) جمع مفتح وابن جبير مفاتيحه جمع مفتاح ، وقتادة وهارون عن أبي عمرو مفتاحه مفردا. (أَوْ صَدِيقِكُمْ) قرئ بكسر الصاد اتباعا لحركة الدال حكاه حميد الخزاز ، قرن الله الصديق بالقرابة المحضة. قيل لبعضهم : من أحب إليك أخوك أم صديقك؟ فقال : لا أحب أخي إلّا إذا كان صديقي. وقال معمر : قلت لقتادة ألا أشرب من هذا الحب؟ قال : أنت لي صديق فما هذا الاستئذان. وقال ابن عباس :
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٦.