(وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ) أي من أولادكم وأقربائكم (فَلْيَسْتَأْذِنُوا) أي في كل الأوقات فإنهم قبل البلوغ كانوا يستأذنون في ثلاث الأوقات. (كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يعني البالغين. وقيل : الكبار من أولاد الرجل وأقربائه. ودل ذلك على أن الابن والأخ البالغين كالأجنبي في ذلك وتكلموا هنا فيما به البلوغ وهي مسألة تذكر في الفقه. كذلك الإشارة إلى ما تقدم ذكره من استئذان المماليك وغير البلغ.
ولما أمر تعالى النساء بالتحفظ من الرجال ومن الأطفال غير البلغ في الأوقات التي هي مظنة كشف عورتهن استثنى (الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ) اللاتي كبرن وقعدن عن الميل إليهن والافتتان بهن فقال (وَالْقَواعِدُ) وهو جمع قاعد من صفات الإناث. وقال ابن السكيت : امرأة قاعد قعدت عن الحيض. وقال ابن قتيبة : سميّن بذلك لأنهن بعد الكبر يكثرن القعود. وقال ربيعة لقعودهن عن الاستمتاع بهن فأيسن ولم يبق لهن طمع في الأزواج. وقيل قعدن عن الحيض والحبل. و (ثِيابَهُنَ) الجلباب والرداء والقناع الذي فوق الخمار والملاء الذي فوق الثياب أو الخمر أو الرداء والخمار أقوال ، ويقال للمرأة إذا كبرت امرأة واضع أي وضعت خمارها. (غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ) أي غير متظاهرات بالزينة لينظر إليهن ، وحقيقة التبرج إظهار ما يجب إخفاؤه أو غير قاصدات التبرج بالوضع ، ورب عجوز يبدو منها الحرص على أن يظهر بها جمال.
(وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ) عن وضع الثياب ويتسترن كالشباب أفضل لهن. (وَاللهُ سَمِيعٌ) لما يقول كل قائل (عَلِيمٌ) بالمقاصد. وفي ذكر هاتين الصفتين توعد وتحذير.
عن ابن عباس لما نزل (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) (١) تحرج المسلمون عن مواكلة الأعمى لأنه لا يبصر موضع الطعام الطيب ، والأعرج لأنه لا يستطيع المزاحمة على الطعام ، والمريض لأنه لا يستطيع استيفاء الطعام فأنزل الله هذه الآية قيل : وتحرجوا عن أكل طعام القرابات فنزلت مبيحة جميع هذه المطاعم ومبينة أن تلك إنما هي في التعدي والقمار وما يأكله المؤمن من مال من يكره أهله أو بصفقة فاسدة ونحوه. وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وابن المسيب كانوا إذا نهضوا إلى الغزو وخلفوا أهل العذر في منازلهم وأموالهم تحرجوا من أكل مال الغائب فنزلت مبيحة لهم ما تمس إليه حاجتهم من مال الغائب إذا كان الغائب قد بنى على ذلك. وقال مجاهد : كان الرجل إذا ذهب بأهل العذر
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٨٨.