بأنفسهم فيتبرؤون من ضلالهم ويستعيذون به أن يكونوا مضلين ويقولون : بل أنت تفضلت من غير سابقة على هؤلاء وآبائهم تفضل جواد كريم ، فجعلوا الرحمة التي حقها أن تكون سبب الشكر سبب الكفر ونسيان الذكر وكان ذلك سبب هلاكهم فإذا تبرأت الملائكة والرسل أنفسهم من نسبة الضلال الذي هو عمل الشياطين إليهم واستعاذوا منهم فهم لربهم الغنى العدل أشد تبرئة وتنزيها منه ، ولقد نزهوه حين أضافوا إليه التفضل بالنعمة والتمتيع بها. وأسندوا نسيان الذكر والتسبب به للبوار إلى الكفرة فشرحا الإضلال المجازي الذي أسنده الله إلى ذاته في قوله (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) (١) ولو كان هو المضل على الحقيقة لكان الجواب العتيد أن يقولوا بل أنت أضللتم انتهى. وهو على طريقة المعتزلة.
والمعنى (أَأَنْتُمْ) أوقعتم هؤلاء ونسبتم لهم في إضلالهم عن الحق ، أم (ضَلُّوا) بأنفسهم عنه. ضل أصله أن يتعدى بعن كقوله (مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ) (٢) ثم اتسع فحذف ، وأضله عن السبيل كما أن هدى يتعدى بإلى ثم يحذف ويضل مطاوع أضل كما تقول : أقعدته فقعد. و (سُبْحانَكَ) تنزيه لله تعالى أن يشرك معه في العبادة أحد أو يفرد بعبادة فأنّى لهم أن يقع منهم إضلال أحد وهم المنزهون المقدسون ، أن يكون أحد منهم ندا وهو المنزه عن الند والنظير.
وقال الزمخشري : (سُبْحانَكَ) تعجب منهم مما قيل لأنهم ملائكة وأنبياء معصومون فما أبعدهم عن الإضلال الذي هو مختص بإبليس وحزبه انتهى.
وقرأ علقمة ما ينبغي بسقوط كان وقراءة الجمهور بثبوتها أمكن في المعنى لأنهم أخبروا عن حال كانت في الدنيا ووقت الإخبار لا عمل فيه. وقرأ أبو عيسى الأسود القاري (يَنْبَغِي لَنا) مبنيا للمفعول. وقال ابن خالويه : زعم سيبويه أن ينبغي لغة.
وقرأ الجمهور : (أَنْ نَتَّخِذَ) مبنيا للفاعل و (مِنْ أَوْلِياءَ) مفعول على زيادة (مِنْ) وحسن زيادتها انسحاب النفي على (نَتَّخِذَ) لأنه معمول لينبغي. وإذا انتفى الابتغاء لزم منه انتفاء متعلقة وهو اتخاذ وليّ من دون الله. ونظيره (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ) (٣) أي خير والمعنى ما كان يصح لنا ولا يستقيم ونحن معصومون أن نتولى أحدا دونك ، فكيف يصح لنا أن نحمل غيرنا على أن يتولونا دونك. وقال أبو مسلم (ما كانَ يَنْبَغِي لَنا) أن نكون أمثال الشياطين نريد الكفر فنتولى
__________________
(١) سورة الرعد : ١٢ / ٢٧ وغيرها.
(٢) سورة الأنعام : ٦ / ١١٧.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ١٠٥.